أحدهما: تمييز العدد، وذلك قوله: (غير ذي العدد) فـ (ذي) بمعنى صاحب، واقع/ على التمييز كأنه قال: غير التمييز صاحب العدد، يعني أن تمييز الأعداد لا يجر (بمن) ظاهرًة أصلًا؛ بل يلزم النصب على التمييز لا غير، فتقول: أحد عشر درهمًا، وعشرون درهمًا، ولا تقول: أحد عشر من درهم، ولا عشرون من درهم ولا ثلاثون من ثوب، ولا ما أشبه ذلك، وإنما كان ذلك لأن (من) إنما تدخل على النوع الذي المميز بعضه، فيحتاج إلى أن يكون ذلك النوع أكثر من المميز. وهذا واضح في: رطل من عسٍل، وراقود من خل، ونحو ذلك، وأما الأعداد فقد عرف مقدارها وعدد أفرادها من لفظها، فبقي حقيقة الإفراد، فاكتفى في ذلك بواحد منها، فلم يصح أن تدخل (من) لأنها جنسية تفيد أن ما دخلت عليه جنس لبعٍض تقدم قبلها، فإذا كان العدد على خلاف ذلك لأن الدرهم بعض مما قبله، لم يصح دخولها لما يلزم من عكس القضية، وهو أن يكون ما تدخل عليه وهو التمييز بعض المميز، وذلك خلاف ما عليه الأمر في (من) الجنسية بخلاف: رطل من عسٍل، فإنه على القاعدة الظاهرة. بهذا علل المسألة بعضهم، وفيه نظر، فإن درهمًا إنما المراد به الجنس لا درهم واحد.
والموضع الثاني: التمييز الذي هو فاعل من جهة المعنى، وذلك قوله: (والفاعل المعنى) وهو معطوف على (ذي) أي: غير ذي العدد وغير الفاعل المعنى، يعني أن التمييز الذي هو فاعل في أصل المعنى لا يصح أن تدخل عليه (من)، نحو قولك: زيد أكثر مالًا، وأعز نفرًا، فمالًا ونفرًا فاعل في المعنى، والمراد: زيد كثر ماله وعز نفره، وكذلك: زيد أطيب نفسًا، ومثله الناظم بقوله: (طب نفسًا) أي لتطب نفسك، فلا يجوز ها هنا الجر بمن، فلا تقول: زيد أكثر من ماٍل، ولا أعز من نفٍر، ولا أطيب من نفٍس، ولا طب من نفٍس، ولا ما أشبه ذلك، ومثله: مررت برجٍل حسٍن وجهًا، لا تقول: حسن من