فهذه مواضع كان الأولى بها بيانها، والظاهر أنه لم يفعل، وقد يقال: إنه وإن لم يُصرح فقد أشار وقصد البيان.
أما الأول، فإن قاعدة الحذف أنه لا يحذف إلا ما دل عليه لدليل، ولو عدم الدليل لم يجز الحذف. أما بالنسبة إلى الكلام المنقول عن العرب فإن إدعاء الحذف في موضع لا دليل فيه تحرص على الغيب، وأيضًا إذا قصدت البيان ثم لم تدل على المحذوف لكان نقص الغرض. وأما بالنسبة إلينا أيها القائسون فإن الحذف من غير دليل ليس من كلام العرب، وأيضًا إذا لم يجعل على المحذوف دليلًا فهو غير مخبر به، ولا عنه فليس بمحذوف في الحقيقة، إذ المحذوف ما جُعل له في الكلام اعتبار ومنزلة، وما لم يدل عليه ليس كذلك أصلًا، فمدعي الحذف من غير دليل مدع لما لا برهان عليه، ومن عادة الناظم ألا يذكر الحذف إلا مع التنبيه على الدليل عليه. كقوله:
* ولا تجز هنا بلا دليل *
إلى آخره. وقوله:
* ويحذف الناصبها إن عُلما *
أو شبه ذلك. وإنما ترك ذكره في المفعول به الذي ليس أصله المبتدأ والخبر؛ للزوم الدليل عليه، فكذلك ترك التنبيه هنا عليه علمًا بتلك القاعدة لتقدم ذكرها مرارًا.