وأما الثاني، فإن القاعدة أن الحذف نوع من أنواع التصرف، وأصل /252/ التصرف إنما هو للفعل حسب ما تقرر في غير موضع، فالفعل/ إذًا أول ما يدعى أنه المحذوف، وأيضًا فإن أصل العوامل الفعل، وإنما عمل غيره بالتشبيه به- أعني عوامل الأسماء في الغالب- فإذا كان ثم عامل محذوف فأول سابق إلى الذهن أنه الفعل، فالمحذوف إذا هنا الفعل لا غيره.

إن قلت: فإن اسم الفاعل أيضًا قريب الفهم فلمدع أن يدعي أنه المحذوف.

فالجواب: أنه ما قرب إلا من جهة فهم الفعل به، فالفعل إذًا سبق للذهن فلا يدعى خلافه، فلأجل هذا ترك الناظم تعيين الفاعل المحذوف، وأيضًا فإن الفعل في باب العمل أكثر دورًا في الكلام فقد صارت له أصالة في العوامل التي تؤدي معنى الفعل، فكان هو الأولى بأن يتصرف فيه بالحذف نظيره (أن) في عوامل الأفعال لما كثر دورها في الكلام دون أخواتها صارت هي التي تنوى من بين سائر النواصب التي لم تدر دورها، ولا استعملت استعمالها وهذا ظاهر.

وأما الثالث: فإن قول الناظم: (والحال قد يحذف ما فيها عمل) يشعر بالقياس، لأن (قد) في استعماله وإن دلت على التقليل إنما يطلقها في موضع القياس، وإلا فيقول شذ أو ندر أو ما يعطي هذا المعنى. وقد تقدم لذلك نظائر كثيرة. وهذا الإطلاق شامل لما الحذف فيه جائز أو واجب؛ لأنه لما أطلق هذا القول قسم الحذف إلى جائز ولازم، فقوله: (وبعض ما يحذف ذكره حظل) يعني أن هذا الحذف المذكور بعضه لا يجوز ذكر المحذو معه فذكره حظل أي منع فلا ينطق به البتة- وأصل الحظل: المنع من التصرف والحركة، ويقال حظل عليه يحظل وحظله أيضًا يحظله حظلًا وحظلانًا إذا منعه، ومنه حظل الأيم وهو منعها النكاح. قال الراجز:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015