ههنا تقدير فعل عليه الجملة ما تقدم في المصدر المؤكد لنفسه إذا قلت: له علي ألف درهم عُرفًا؛ إذ هو عنده وعند غيره على إضمار الفعل المتروك إظهاره، فكذلك ينبغي أن يكون هذا. وهو ظاهر. واعلم أن قوله: (فمضمر عاملها) تنبيهًا على مسألتين: إحداهما: التنكيت على مذهبي الزجاج وابن خروف، أي ليس العامل بظاهر في اللفظ كما يقوله المخالف، بل هو مضمر يدل عليه الكلام. والثانية: التنبيه على لزوم الإضمار، ودل على ذلك تقديمه الخبر في قوله (فمضمر عاملها) إشعارًا بتأكيد الحكم بذلك، وكذلك الأمر فيه؛ إذ لا يجوز إظهاره، فلا تقول: أنا زيد اعرفني معروفًا، وذلك لأنهم جعلوا الجملة كالبدل من اللفظ بالعامل كما جعلوا الجملة في قولهم له علي [ألف عرفًا] عوضًا عن العامل في المصدر. ولا أعلم في هذا الحكم خلافًا.
ثم قال: (ولفظها يؤخر) الهاء عائد على الحال، ويعني أن الحال في هذه المسألة يؤخر، ولا يجوز تقديمه فلا تقول: معروفًا هو زيد، ولا شجاعًا أنا زيد، وكذلك لا تقول: أنا معروفًا زيد، ولا أنا شجاعًا زيد، وإنما لزم تأخيرها لأنها إنما أعطت من المعنى ما أعطت الجملة من قبل، إذ كان قولك: هو زيد، أو أنا زيد معناه: أنا المعروف أو هو المعروف أو أعرفني أو أعرفه، فصار قولك: معروفًا يعطي عين ما يعطيه: أنا زيد، وهو زيد، فصار كالجملة المؤكدة لجملة أخرى، أو المفرد المؤكد لما قبله. ومن شأن المؤكد التأخير عن المؤكد. وأيضًا الجملة إذا قامت مقام العامل لم يبق للعامل ذلك التصرف الذي كان قبل أن يُحذف، ويُعوض عنه، يُبينه أنك لا تقول: صوت حمارٍ له صوت، ولا: عرفًا له على ألف، ولا حقًا أنت ابني، ولا ما أشبه ذلك، بل يلزم المعمول التأخير لعدم تصرف ما ناب عن العامل.