فإن قيل: هذا الحكم الذي قرر من لزوم تأخير الحال هل هو مقتصر به على الحال المؤكد بها الجملة أم هو شامل للحال المؤكدة كانت مؤكدة لعاملها أو للجملة؟ .
فالجواب: أن الظاهر من كلامه الاقتصار على المؤكد بها الجملة. وأيضًا فإن العامل النائب عنه غيره لا يقوى قوة العامل الظاهر كما تقدم بخلاف نحو: (لا تعث في الأرض مفسدًا). فإن العامل لفظي وهو قوي كما في المصدر المؤكد، فكما يجوز تقديم المصدر المؤكد على عامله كذلك يجوز هنا، فإذا قوله (ولفظها يؤخر) راجع إلى الوجه الثاني، وهو الحال المؤكد للجملة. والله أعلم.
ثم قال:
وموضع الحال تجيء جملة ... كجاء زيد وهو ناوٍ رحله
لما كانت الحال خبرًا من الأخبار، وكان الخبر يأتي مفردًا، وهو الأصل، ويأتي جملة في موضع المفرد/ جاءت الحال كذلك، وكذلك النعت، فالثلاثة جارية من وادٍ واحد، فالأصل في الحال أن تأتي مفردة ثم أنها قد تأتي جملة، وتكون تلك الجملة مقدرة بالمفرد الذي يقع عليه النصب على الحال، وقد ذكر حكم المفرد فيما فمضى فأخذ يذكر حكم الجملة، فيريد أن الحال قد تأتي في موضعها جملة، وهذا مشعر بأن الجملة ليست الحال بنفسها بل هي في موضعها فحيث جاءت كذلك فلابد من تقديرها بالمفرد، لأنه الأصل فيها، وأيضًا لم يقيد الجملة بكونها اسمية أو فعلية فدل على أن كل واحدةٍ منهما في موضع الحال، فتقول: جاءني زيد وهو ضاحك، وجاءني يضحك ...
فإن قيل: تقييده بالمثال يُشعر بأنها إنما تكون اسمية، لأن التقدير: وموضع الحال تجيء جملة تسبه هذه الجملة، وقوله (وهو ناوٍ رحله) جملة اسمية، فكأن التقدير: وموضع الحال تجيء جملة اسمية، فخرجت الفعلية عن ذلك، وهو غير صحيح.