ثم أتى بالمثال الرابع وهو المجرور، فقال: "ونذر نحو سعيد مستقرًا في هجر" فقدم فيه أولًا أن ما ضمن من العوامل معنى الفعل لا حروفه فلا يتقدم عليه معمولة- وهو الحال- وكان ذلك لازمًا في الأمثلة الثلاثة لا في الرابع، فبين الآن في الرابع أن ذلك الحكم غالب فيه لا لازم؛ فقد نُقل في كلام العرب تقديم الحال عليه لكن نادرًا؛ فلذلك قال: "ونذر نوح كذا" وتمثيله مشعر بشرطٍ في هذا التقديم معتبر، وهو كون الحال متوسطًا بين العامل وصاحب الحال كما في قوله: زيد مستقرًا في هجر، فمستقرًا عامله مجرور، وصاحبه زيد هذا الظاهر إما حقيقةً وإما مجازًا، فلو قدمت الحال عليهما معًا فقلت: مستقرًا زيد في هجر لكان ممنوعًا، ولم يأت من كلام العرب. أما من كان كالمثال فقد وجد في كلامهم حسبما يذكر، فأما تقديم الحال عليهما معًا فلم يذكروا خلافًا في منعه وأما تقديمه على العامل وحده ففيه خلاف، فمذهب سيبويه والجمهور المنع إلا في الشعر، وحجتهم أن المجرور- في معناه الظرف- ليس من العوامل القوية فلم يقو أن يتصرف في معموله تصرفها، وعمله في الحال إنما كان لشبه الحال بالظرف الذي يعمل فيه رائحة الفعل. والعامل المعنوي لا يقوى على التصرف بتقديمه عليه كما قد يقوى على تقديم الظرف؛ لأن المشتبه لا يقوى قوة ما شبه به. وأيضًا فالسماع في ذلك نادر، ومحتمل التأويل. وذهب الأخفش إلى جواز ذلك بإطلاق، وحجته ما جاء في السماع من ذلك كقراءة عيسى بن عمر {والسموات مطويات بيمينه} بنصب مطويات على الحال، والعامل ليس إلا المجرور. وقول من قال إنه منصوب على إضمار فعل، والعامل السموات بما