أحدهما: أنه خالف أهل الكوفة القائلين بأنهما فعلٌ أبدًا، إلا أن منهم من قال: هو فعلٌ ماضٍ، ومنهم من قال: هو فعلٌ استعمل استعمال الأدوات، فأما إذا انتصب ما بعدها فلا إشكال على مذهبهم، وأما إذا انخفض فعلى تقدير اللام، ولذلك تظهر فتقول: حاشا لزيدٍ.
والدليل على أنها مع الجر حرفٌ أن الفعل لا ينجر ما بعده أبدًا، وتقديرهم حرف الجر غير صحيح، لأن الجار في الأمر العام المطرد إذا حذف زال عمله، وقد يقال: إن اللام زائدة، والأصل عدمها. وأيضًا إذا جر ما بعدها باللام فليست حينئذ أداة استثناء، ولا ما بعدها مستثنى؛ لأنها تقع في أول الكلام لزومًا أو غلبةً، وليس ثم ما يستثنى منه.
والثاني: أنه خالف سيبويه حيث التزم في حاشا الحرفية وجر ما بعدها؛ وذلك أنه لم يحكِ معها غير الجر. ولم يجز أن تأتي بما كعدا وخلا، فلم يكن لها وجهٌ يحكم لأجله بفعليتها، وحكى غيره النصب بعدها، وقد تقدم من ذلك أشياء- وإن كانت قليلة، فهي حجة للنصب الذي أثبته الناظم ومن اقتفى أثره، ودليلٌ على فعليتها، قال الأخفش: "وأما حاشا فقد سمعنا من ينصب بها" قال وهذه أشبه؛ لأنها من حاشيت، فقد ثبت النصب بها على الجملة، وإن كان قليلًا فهي مثل خلا في جواز الوجهين، ولا شك أنها إذ ذاك فعل، لكن كونها من حاشيت فيه نظر. والحاصل أن سيبويه لم يحك النصب بها، وحكاه غيره فلا مخالفة في الحقيقة بين سيبويه والأخفش كما تقدم في عدا.
ولما قال: "وكخلا حاشا" وكانت خلا يجوز أن تصحب ما المتقدمة أوهم ذلك أنها مثلها في مصاحبة ما أيضًا، فرفع ذلك بقوله: "ولا تصحب ما" فبين أنها تخالف خلا في هذا الحكم، فلا تلحقها ما، فلا تقول: قام القوم ما حاشا