لم يدخل، والفعل المراد هنا هو العلاج والعمل لا اسم الفعل الذي معناه الجنس، فإن قوله: "لي بكا" المراد فيه بالبكاء ما يراد قوله: أنا أبكي لا اسم جنس البكاء، فإذا أريد به اسم جنس البكاء الذي لا يعطي العلاج لم يدخل هنا، كقولهم: له علمٌ علمُ الفقهاء، وله رأيٌ رأيُ الأصلاء، وله حسنٌ حسنُ الشمس، وله ذكاءٌ ذكاءٌ الفطناء، وما أشبه ذلك، فإن مثل هذا لا يعطي معنى الفعل؛ إذ كان قولك: "له علم" يعطي أنه اتصف بمعنى العلم لا أنه يعالج التعلم كما كان "لي بكا" يعطي علاج البكاء واستعماله، فإذا اجتمع الشرطان انتصب المصدر بفعل لا يظهر، فدخل له نوعان من المصدر المشبه به.
أحدهما: الموازن للمثال، ومنه: ممرت به فإذا له صوتٌ صوتُ الحمار، ومررت به فإذا به له صراخٌ صراخُ ثكلى، ومررت به وله دفعٌ دفعك الضعيف، ومررت به فإذ له دقٌ دقك بالمنخار حب الفلفل، وأنشد سيبويه للنابغة الذيباني:
مقذوفة بدخيس النحض بازلها ... له صريفٌ صريفُ القعو بالمسد
وأنشد أيضا للنابغة الجعدي يصف طعنة:
لها بعد إسناد الكليم وهدئه ... ورنة من يبكي إذا كان باكياً