وإنما هي مصادر جعلت بدلًا من اللفظ بأفعالها، وعُوّضِت منها، ففائدتها النيابة عن أفعالها وإعطاءُ معانيها، لا تأكيدُها، كيف وهي القائمة مقامها بحيث تُنُوسِيَت الأفعالُ؟ ، فلو كانت مؤكدة لها لكانت مؤكدة لنفسها والشيء لا يؤكد نفسه والدليل على ذلك أن: سقيًا، ورعيًا، وحمدًا، وشكرًا، ونحوها لا قائل بأنها مؤكدّة للجملة المحذوفة من الفعل والفاعل والمفعول، وقد قام الدليل عند المحققين على أنها عِوَضٌ من الجملة لا من الفعل وحده، وسيأتي من ذلك طرفٌ إن شاء الله، فلو كانت مؤكِّدةً لَزِمَ أنْ تكون مؤكِّدَةً للجملة برأسها إن شاء الله، فلو كانت مؤكدةً لزم أن تكون مؤكدة للجملة برأسها، وذلك غير صحيح، أيضًا لو كانت مؤكدة لجاز إظهار الفعل، كما جاز في قولك: ضربتُ زيدًا ضربًا، لكنهم لا يظهرونه في: سقيًا ورعيًا، وشكرًا، ونحوها، فدلَّ ذلك على أنّها ليست بمؤكدة.

فإن قال: فأنت تظهر الفعل في قولك: أنت سَيْرًا، وزيدٌ سَيْرًا ونحوهما كما سيأتي.

فالجواب ما سيأتي ذكره هنالك إن شاء الله. والجواب عن السؤال الثاني: أنّ للمصدر المؤكد في هذا الباب إطلاقين:

أحدهما: أن يُراد به المؤكد لفعله، وهو الذي أراد ههنا.

والثاني: أن يُراد به المؤكد للجملة المذكورة قبله، وليس بمؤكد لعامله الذي هو الفعل المقدّر، ومنه "اعترافًا" في: له عليّ ألف درهم اعترافًا، وحقًا في قولهم: أنا قائم حقًّا، فالإطلاقان مختلفان في الاصطلاح؛ ولذلك قال بعد هذا: "ومنه ما يدعونه مؤكدًا لنفسه وغيره" فبيّن أنّهم سمَّوْهُ بذلك تسميةً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015