مقيَّدة بالنفسِ والغير تخالف ما تقدّم، وإذا تبايَن الإطلاقان لم يدخل أحدهما على الآخر. ثم قال: "وفي سواه لدليل متسع" استعمل (سوى) استعمال المتصرّف، وإن كان مخالفًا لمنع التصرف فيها، لأمرين: أحدهما: ضرورة الشعر، كما قال الأعشى -أنشده سيبويه-:
*وما قصدت من أهلها لِسوائِكا*
وسوى وسواء واحد، والثاني: أن رأيه فيها جواز التصرف حسب ما نبّه عليه في باب الاستثناء، وضمير "سواه" عائدٌ على عامل المؤكد، وهو على حذف المضاف تقديره: وفي حذف سواه لدليل متسع، ويريد أنَّ ما عدا عامل المصدر المؤكد فليس حذفه بممتنع، بل لك أن تحذفه بشرط أن يكون ثم ما يدلّ عليه، كقولك: سيرًا خفيفًا لمن قالت لك: أيُّ سير سرت؟ وبلى قيامًا طويلًا، لمن قال لك: أما قمت؟ وتقول لمن رأيته قادمًا من الحج: حجًا مبرورًا، أو مقدم من سفر: قدومًا مباركًا، أو تأهب للسفر: سفرًا مباركًا، على تقدير: سرت سيرًا خفيفًا، وقمت قيامًا طويلًا، وحججت حجًا مبرورًا، وقدمت قدومًا مباركًا، وتسافر سفرًا مباركًا. فإن لم يكن ثمَّ ما يدل على المحذوف لم يسُغ الحذف على القاعدة المعلومة. هذا معنى ما أراد على الجملة، ثم يبقى النظر في حكم الحذف، ولم يقع التصريح به في كلامه، فيحتمل قوله: "وفي سواه لدليل متّسع" تفسيرين: أحدهما: أن يكون شاملًا لجميع ما يُحذف كان جائز الحذف أو لازِمَه، واللازم سيأتي ذكره وتمثيله، وكأنه يقول: ما عليه دليلٌ من عوامل المصدر غير المؤكِّد فلا يمتنع حذفه كما امتنع الأول، فنفَى المنعَ بقوله إنَّ في الحذف متَّسعًا، أي ليس كحذف عامل المؤكد، ولا