المصدر الذي جيء به لمجرّد التوكيد يمتنع حذفُ عامله على الإطلاق، فلا يجوز أن تقول: زيدًا ضربًا بمعنى اضرب زيدًا ضربًا، وإذا قيل لك: هل ضربت زيدًا فلا يجوز لك أن تقول: نعم ضربًا، حتى تقول: نعم ضربته ضربًا، ولا ما أشبه ذلك. ووجه ما زعم من ذلك أن القصد بالتأكيد الإسهاب والإكثار؛ ولذلك بذكر المؤكد مرتين وأكثر فتقول: زيدٌ زيدٌ قائم، وقام قام زيدٌ، وقال:
لا لا أبوح بحب بثينة إنها ... أخذت على مواثقًا وعهودًا
والقصد بالحذف الإيجاز فتدافعا، فأنت لو حذفت عامل المصدر المؤكد -والعامل هو المؤكد، والمقصود أن يذكر أولًا، ثم يُؤتَى بمصدره القائم مقام تكراره لكنت قد ناقضت؛ ولذلك لم يُجِز الأخفش توكيد الهاء المحذوفة من صلة الذي نحو: الذي ضربت زيدٌ، فامتنع أن يقال: الذي ضربت نفسَه زيد، قال: لأنّ ذلك نقضٌ من حيث كان التوكيد اسهابًا، والحذف إيجازًا، وذلك أمر ظاهر التدافع. إلى هذا المعنى يرجع ما علّل به المؤلف منع الحذف؛ إذ قال: إنّ المصدر المؤكد يقصد به تقويه عامله، وتقرير معناه، وحذفه منافٍ لذلك فلم يجُز، نقل ذلك عنه ابنه في شرح هذا النظم. وهذه المسألة لم يُنبّه عليها في التسهيل، ولا في الفوائد المحويَّة، وهي من المسائل المشكلة عليه، والاعتراض عليه من وجهين:
أحدهما: أنّ منع الحذف لعامل المصدر المؤكد لا أعرفه منقولًا عن أحد من النحويين إلّا عنه في هذا النظم، وما ذكر عنه ابنه، وأمَّا غيره من النحويين