فعلَه أقرب إلى العمل فيه من غيره، ثم يجري المصدر والوصف مجراه، وأما ما بعده فقوله: "وكونه أصلًا لهذين انتُخِب"، لأن من المعلوم أن مصدر قعد لا يكون أصلًا لضرب، ولا يُدَّعى ذلك فيه، وكذلك العكس. وعلى هذا السبيل يجري سائر المصادر من الأفعال، بل لا بُدَّ أن يكون محصول الحكم بالعمل دائرًا بين الفعل ومصدره الذي من لفظه ومعناه، وكذلك المصدر والوصف فقد ظهر من مساق الكلام اشتراطُ ذلك الشرط.
وأما الثاني: فلا أجد الآن جوابًا عن وروده إلّا أن يُقال: إنه قد تبيّن في أبواب الصفة المُشبَّهة قصور عملها عن عمل الأفعال، وأنّ الصفة المشبَّهة وأفعل التفضيل عملها مقصور على السببيّ، وأن أفعل التفضيل إنما يعمل في الضمير الرفع، وفي الظاهر في موضع واحد. فقد يُقال، ولكنه ضعيف. أما الأفعال التي لا تتصرّف فبيّن خروجها؛ لأنها لا مصادر لها، فكيف يصحُّ أن يُتوهَّم نصبها للمصادر.
ثم قال: " وكونه أصلًا لهذين انتُخِب" الضمير في (كونه) عائد إلى المصدر المُبَوَّب عليه، وانتُخِب: معناه انتُقِيَ واختير، ورجل نُخبَةٌ من ذلك، يعني: أنَّ المختار كون المصدر أصلًا لهذين المشار إليهما بأداة القُربِ، وهما الفعل والوصف، فالفعل والوصف معًا فرعان للمصدر، يريد في الاشتقاق خاصّة؛ إذ ليس المصدر أصلًا لهما في كل شيء، ألا ترى أن الفعل أصلٌ للمصدر في العمل؛ إذ لا يعمل إلا بالنيابة عن الفعل، أو بما تضمّن من معناه، وكذلك اسم الفاعل فرع عن الفعل في العمل، فإنما يريد أصليَّة الاشتقاق، فالمصدر هو الذي اشتُقَّا منه وليس هو بمشتقّ من شيء؛ لأن لو اشتُقَّ من شيء لكان مشتقًّا من المصدر فيكون مشتقًا من نفسه، وهو محال، بل هو من المُرتَجَلات الأُوَل لكن قد يكون المصدر