لا يكون إلّا بما هو من لفظه، كما مرّ تقديره، أو من معناه لكن موافقًا للفعل الذي هو من لفظه حسب ما يأتي. وأمّا نصبه بالمصدر أو الفعل أو الصفة إذا لم يكن من لفظه ولا من معناه فلا يكون به مصدرًا، بل يكون على حسب ما يطلبه ذلك العامل كسائر الأسماء، فتقول: عجبتُ من كراهتك الخروج، وأحبُّ إكرامَ زيدٍ، وأنت محبٌّ الإكرام، كما تقول: عجبتُ من كراهتك زيدًا، وأحب زيدًا، وأنت محبٌّ زيدًا، وعلى هذا الوجه أيضًا يُرفَع ويخفض؛ إذ هو عند ذلك كسائر الأسماء يُرفَع فاعلًا ويُنصَب مفعولًا، ويُخفَض مضافًا إليه بالحرف وغيره، فلا بُدَّ من ذلك القيد، وهو أن يكون العامل من لفظه ومعناه، أو معناه كما تقدَّم، وقول الناظم: "بمثله أو فعلٍ أو وصفٍ نُصِبَ" لا يعيّن المراد، ولا يبيّنه.
والثاني: أنّه أطلق الوصف فلم يقيّده بكونه اسم فاعل أو مفعول بل أطلق فيه القول، فاقتضى أنّ الصفة المشبَّهَة باسم الفاعل، وأفعل التفضيل ينصبان المصدر، فتقول: زيد حسنٌ حُسنًا، وكريمٌ كرمًا، وأفضل منك فضلًا، وما أشبه ذلك؛ لأن كل واحد منهما يسمّى وصفًا في الاستعمال العرفي، ويمتنع أن ينصِبَ المصدر من حيث هو مصدر، فإطلاق الناظم غير صحيح. وأيضًا يلزمه نحو هذا في الفعل؛ إذ لم يقيّده بكونه متصرّفًا، وهو شرط لازم؛ إذ الفعلُ إذا كان غير متصرّف لا ينصب مصدرًا، ولا يُشتَقُّ منه، فلما لم يقيّد الفعل بكونه متصرفًا أوَهَم أنك تقول: نِعم الرجل زيدٌ نعمةً، وبئس الرجل زيدٌ بؤسًا وحبَّذا زيدٌ حبًا، وما أشبه ذلك، وذلك وغير صحيح. فهذا كله فيه ما ترى.
والجواب عن الأول: أنّ مما يدل على مراده، وأنه أراد الموافق في اللفظ ما قبل الكلام وما بعده، فأما ما قبله فتعريفه المصدر بأنه الذي دل عليه الفعل بحروفه، وتمثيله بأمنٍ من أمِنَ، وإذا كان مع الفعل على هذا السبيل أشعر بأنَّ