لكان قولا قويا، وله نظائر، ويحكي الناس عن سيبويه أنه حتم القول بذل كالكسائي، ومساق كلامه يدل على إجازته الوجهين. وعلى كل تقدير فالقول بأنهما في موضع نصب هو للخليل، والقول ببقاء الجر حتما أو جوازا هو قول سيبويه. وقد عكس ابن مالك في التسهيل وشرحه هذه النسبة فيجعل النصب لسيبويه، والجر للخليل، واتبعه ابنه في ذلك في شرح هذا النظم. وذلك وهم بلا شك. فالناظم لم يلتزم واحدا من هذه المذاهب بل تركها في محل النظر؛ لقوة أدلتها كما تقدم، وقد فعل ابن خروف مثل ذلك، إذ قال- لما حكى الخلاف بين الخليل وسيبويه-: "وكلاهما ممكن".
والأصل سبق فاعل معنى كمن ... من: ألسن من زار كم نسج اليمن
ويلزم الأصل لموجب عرا ... وترك ذاك الأصل حتما قد يرى
لما قدم قبل هذا بيان الرتبة بين الفاعل والمفعول وما يبني عليه، أخذ الآن يبين الرتبة بين المفعولين، وما ينبني على ذلك أعني المفعولين اللذين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، وهو من باب أعطى، فذكر أن الأصل تقدم المفعول الذي هو فاعل من جهة المعنى على المفعول الذي ليس كذلك، نحو: أعطيت زيدا درهما، وكسوته ثوبا، وألبسته حلة، وأريته دار فلان، فالأصل في زيد في هذه المثل التقديم على الدرهم، والثوب، والحلة، والدار، لأنه كالفاعل في المعنى، لأنه آخذ، وكاس، ولابس، وراء، وقد تقدم أن الفاعل الحقيقي رتبته التقديم