ففاعل (انصب) هو المتكلم، والباء في (به) للسبب، كأنه قال: انصب أيها المتكلم مفعول الفعل بسببه وبحضوره، فلم ينسب العمل إلا للمتكلم، لكن بقرينة حضور الفعل الطالب للنصب. وهذا كله ظاهر. قال ابن جنى الخصائص: "سألت الشجري يوما فقلت: يا أبا عبد الله كيف تقول: ضربت أخاك، فقال: كذاك، فقلت: أفتقول: ضربت أخوك، فقال: لا أقول: أخوك، أبدا. قلت: كيف تقول: ضربني أخوك، فقال: كذاك، فقلت: ألست زعمت أنك لا تقول أخوك أبدا، فقال: أيش ذا! اختلفت جهتا الكلام". فهذا نحو من قولك: رفعته لأن الفعل طلبه بالفاعلية، ونصبته لأنه طلبه بالمفعولية، وهو قريب من الاصطلاح. وعلى الجملة فمثل هذه المسائل لا يجدي فيها الخلاف فائدة غير تنقيح وجه الحكمة الصناعية والله أعلم.

ولازم غير المعدي وحتم ... لزوم أفعال السجايا كنهم

كذا افعلل والمضاهي اقعنسسا ... وما اقتضى نظافة أو دنسا

أو عرضا أو طاوع المعدى ... لواحد كمده فامتدا

هذا هو القسم الثاني، وهو غير المتعدي، وسماه لازما بقوله: "ولازم غير المعدي" يعني أنه يسمى لازما في الاصطلاح؛ لكونه لزم فاعله فلم يتجاوزه إلى غيره. ولما ضبط المتعدي بضابط يتحصل به أكثر الأفعال المتعدية تحت التمييز حاول مثل ذلك في اللام أو نحوا منه، وذلك أن المتعدي وغير المتعدي إنما هو سماعي، والضابط القياسي فيه ضعيف؛ لأنه إنما يشمل من الأفعال جملة أكثرية، لكن النحويين تكلفوا لها ضوابط بحسب الإمكان في صنعة القياس، كما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015