وأنشد سيبويه لأبي الأسود الدؤلي:
أميرانِ كانا آخَيَاني كلاهما ... فكُلّا جزاه اللهُ عني بما فَعَلْ
فهذا يُختارُ فيه النصب أيضًا. ويجوز الرفعُ, فتقول: زيدٌ أكرمَه الله, وزيدٌ غفر اللهُ له واللهُمّ زيدٌ فاغفر له, وما أشبهه. وإنما اختير النصبُ هنا؛ لأنّ الطلبَ إنّما يكونُ بالفعل فهو يطلبه فكان الأولى حمْلَ الكلام عليه, وتركَ الحمل على الابتداء.
والثاني من مواضع اختيار النصب أنْ يقعَ الاسمُ السابقُ بعد أداةٍ يغلب ولايتها للفعل وذلك قوله: ((وبعدما إيلاؤه الفعل غَلضب)) فقوله (وبعدَ) معطوفة على (قبْلَ) والتقدير: اختير نَصْبٌ بعد ما إيلاؤه الفعلَ غَلَبَ, وما واقعةٌ على الأداة, والإيلاء مصدر أوليته كذا: إذا جعلته يليه, كأنّه قال: وبَعْدَ الأداة التي غَلَبَ عليها أن يَليهَا الفعلُ, فمن ذلك همزة الاستفهام, ونحو: أزيدًا ضربته؛ النصب أولى لأنّ الاستفهام يطلب بالفعل, ويجوز الرفع فتقول: أزيدٌ ضربتَه. وإنّما خالفتِ الهمزةُ ساءر أدوات الاستفهام لأنها أمّ الباب, فوقع التّصرف فيها بخلاف غيرها, فجاز فيها ما لم يجز في غيرها, ونظيرها (إنْ) من بين سائر أدوات الشرط. ومن النّصب بها قولُ جرير أنشده سيبويه:
أثعلبةَ الفوارسِ أم رياحًا ... عَدَلْتَ بهم طُهَيّةَ والخِشَابا