فليس في زيدٍ في هذه المثُل إلّا الرفعُ؛ إذ لا يعمل ما بعد هذه/ الأدوات فيما قبلها, فلا يُفَسّرُ عاملًا. والحاصل أنّ كلّ ما يمنع أنْ يعملَ ما بعده فيما قبله إذا فَصَلَ بين الفعل والاسم السابق لم يكن في الاسم السابق معها إلّا الرفعُ بالابتداء.
واختِيرَ نصْبٌ قبلَ فعلٍ ذي طَلَبْ ... وبعدما إيلاؤه الفعلَ غَلَبْ
وبعد عاطفٍ بلا فصلٍ على ... معمولِ فعلٍ مستقرٌّ أوَّلا
هذا هو القسم الثالث: وهو الذي يُخْتارُ فيه نصب الاسم اليابق وعيّن له بثلاثة مواضع:
أحدهما: أنْ يكونَ الفعلُ المفسِّر طلبيًا, وهو قوله: ((قبلَ فعلٍ ذي طلب)) يعني أنْ يكون الاسمُ قبلَ فعل فيه طلبٌ أو معه ما يقتضي الطلب؛ إذ لم يقيّد الطلبَ بكونه بأداة أو بغير أداة, ولا هل هو أمر, أو نهي, أو غير ذلك, فاشتمل من حيث الإطلاق على جملة ذلك. والطلبُ أيضًا يكون أمرًا, ونهيًا, ويكون دعاءً, وجميع ذلك يُختارُ معه النصب كما قال, ومثال ذلك: زيدًا اضرِبْه, وعمرًا امرُرْ به, وخالدًا أضربْ أباه, وزيدًا اشتر له ثوبًا, وكذلك مع أمّا, نحو: أمّا زيدًا فاضربه, وأمّا عمرًا فامرر به, ومن ذلك الطلب المستفاد من الأدوات الداخلةِ على الفعل, نحو: زيدًا لتضْرِبْهُ , وعمرًا لتُكرِمْ أباه, وبكرًا لا تضربْهُ, وزيدًا ليَضْرِبْهُ عمروٌ, وخالدًا لا يقتلْ أخاه زيدٌ, فكلّ هذا الوجه فيه النّصب, ويجوز الرفع, ولكنّه مرجوحٌ, فتقول: زيدٌ أضربه, وعمروٌ امرر به وخالدٌ أضرب أباه, وكذلك سائر المسائل. وممّا يدخل في هذا النمط الدعاء كقولك: زيدًا غفر الله له, وزيدًا أكرمَهُ الله, واللهم زيدًا فاغفر له, وزيدًا فأصلِح شأنه, وعمرًا ليجزِه اللهُ خيرًا,