حِمامُها. وقال لبيد:
فإنْ أنت لم ينفعك علمُك فانتسب ... لعلّك تهديك القرونُ الأوائلُ
فهذا حائزٌ على الجملة مع أنّه عبّر بعبارة تخرج ما كان من بابه -وذلك غير سديد- إذ جعلَ ما ليس بشرطٍ شرطًا, وهو أن جعلَ عملَ الفعلين الظاهر والمقدّر إنّما يكون نصبًا.
والسادس: أنّه أتى في هذا العقد ببعض الشروط المعتبرة في باب الاشتغال, وترك بعضًا ممّا هو ضروريّ, ومن جملة ما ترك اشتراط اتحاد جهة النصب في المشغول به والمشغول عنه, كما مرّ تمثيله, فلو قلت: أزيدًا جلستَ مكانه؟ لم يجز؛ لأنّ نصب المكان ليس كنصب زيد, فإنّ زيدًا منصوبٌ على المفعولية, ونَصبُ المكان على الظرفية, وكذلك لا تقول: أزيدًا ضربتَ ضربَهُ, ولا زيدًا مكثتُ عنده, بخلاف قولِك: أيومَ الجمعة قعدتَه, أو قعدتَ فيه؛ فإنّه جائزٌ لاتحاد جهة النصب. ولا يزم على ذلك ألّا يجوز: أزيدًا مررت به؛ لأنّ نصبَ موضع المجرور على المفعولية كزيد.
ومن ذلك أن يكون المشغول عنه اسمًا واحدًا, فلا يجوز أن تقولَ: أزيدًا درهمًا أعطيته إيّاه, ولا: أزيدٌ عمرًا أكرمَهُ, ولا ما أشبه ذلك -ويجوز أن تقول: أزيدًا أعطيتَه درهمًا, وأزيدًا ظننته قائمًا, وأعمرًا أكرمهُ زيدٌ. ووجه امتناع هذا والذي قبله أنّ هذا الباب جاء على خير قياس, فلا يُتعدّى به ما سُمِع, ولا يقاسُ عليه إلّا ما كان مثلَه من كلّ وجهٍ, فإذا تركُهُ ما لاحاجة إلى ذكرة أكيدةٌ تقصير.