فالأصل أن تُعطى كلّ مسألة حكم نفسها, ولا يُحْمَلُ ما ليس فيه موجبُ المنع على ما فيه الموجب في مسألتنا, بل يمنع ما فيه الموجب, ويجاز غيره.
فإن قلت: فهذا خلافُ القاعدة المعلومة عند أهل العربية, فإنّهم يحملون ما ليس فيه موجبٌ على ما فيه الموجب؛ بيجري الباب مجرى واحدًا, كمسألة: تَعِدُ وأعِدُ, ونَعِدث في حملها في الإعلال على يَعِدُ, وحملهم هما وهنّ وسواهما على هو و (نا) في البناء الذي موجبه شبه الحرف اللفظي, وحملهم حذامِ, وفجارِ على حذارِ عند جماعة, على مسائل لا تنحصر. فالجواب: أنّهم إنّما قالوا ذلك حين ألجأهم السماع إليه؛ ولذلك لا تجد مسائلهم التي يحتجّون بها على القاعدة إلّا على مقتضى ما استقرأوا من كلامهم لا على أمرٍ مقيس عُدِم فيه السماع.
فالقاعدة مبنيّة على التفسير بعد السماع/ كما قال سيبويه: ((قف حيث وقفوا ثمّ فسّر)). وإن رأيت أحدذأ منهم يُعْملُها في موضع فذلك اتبّاع للسماع عنده لا إجراء لمجرد القياس. فابن مالك لم يثبت عنده امتناع العرب من نحو: ظُنَّ سمينٌ كبْشَك, بإطلاق, فأجازه؛ لأنّ القياس يقبله فقال بجوازه, وممن قال بقول الناظم السيرافي في اللإقناع, وابن الأنباري, وابن طلحة, وجماعة من المتأخرين. وأمّا في باب أعلمت فقال بالجواز الجزولي, والشلويين في التوطئة, وتلميذه ابن الحاج في الرد على المقرّب ما لم يئد ذلك كلّه إلى اللّبس.