يبيّن حكمه لاسيّما وفيه من الإشكال ما ليس في غيره؛ لأنّه إذا كان أصل أحد المفعولين حرف الجر فكانّه مجرور, وإذا كان كذلك فهل يُعامل معاملة باب كسا اعتبارًا بفقد الجار أم يُعامل معاملة الأصل فلا يُقام إلا الذي ليس أصله حرف الجر؟ . في ذلك نظرٌ يفتقر إلى بيانه, وهو لم يعرّج عليه, وقد نصّوا على التزام إقامة الذي ليس أصله حرف الجر, فتقول: أُمِر زيدٌ الخيرَ, ولا يقال: أُمِرَ الخيرُ زيدًا, قال بعضهم: إلّا على القلب, والقلب قليل التصرف في الكلام. أمّا باب كسا, فنقَل اتفاق النحويين على إجازة إقامة المفعول الثاني فيه, لكنه قليل ومرجوح بالنسبة إلى إقامة الأول دلّ على ذلك من كلامه: ((قد ينوب الثان)) , وكذا قال النحويون: إنّ إقامة الأول أولى, فتقول إن شئت: كُسيَ ثوبٌ زيدًا, وأعطي الدرهمُ زيدًا, ومُلِّك الثوبُ زيدًا, وما أشبه ذلك. أمّا إقامة الأول فلا كلام في جوازها في كل باب وخصوصًا في باب كسا إذ هو فاعل في المعنى, فتقول: أُعطِي زيدٌ درهمًا, وكثسِي زيدٌ ثوبًا, ومُلِّكَ زيدٌ الثوبَ.
فإن قلت: من أين يُعلم إقامة الأول, وما الدليل من كلامه على جوازها.
فالجواب: أنّه لما قدّم أن المفعول على الجملة ينوب عن الفاعل كان هذا أصلًا يُرْجَعُ إليه حتى ينسخه بغيره, ولم ينسخه بالنسبة إلى المفعول الأول, فبقي على أصل الجواز وإنّما رجحت إقامة الأول في باب كسا؛ لأنه فاعل