والثاني: عدم اللزوم بإطلاق، بل يجوز تقديمُ المحصور إلى موضع غير المحصور. وهو رأى الكسائى من الكوفيين.
والثالث: الفرقُ بين الفاعل والمفعُولِ، فإذا كان المحصورُ/ [هو الفاعلُ لم يجز تقديمه، وإذا كان المفعولُ جاز تقديه. وهو منقولٌ عن الأخفش وابن الأنبارى.
وكأنّ الناظم أخذ بمذهب رابع، وهو جوازُ تقديم المحصور على قلّة. وذلك قولُه: «وقد يَسْبِقُ إِنْ قصدٌ ظَهَرْ»، فضمير «يسبق» عائد على ما انحصر، يعنى أنّ المنحصر قد يتقدّم إن ظهر قصدُ الكلام وتبيّن المنحصرُ من غيره، وذلك في الحصر بإلّا نحو: ما ضرب إلّا عمرًا زيدٌ، وما ضرب إلا زيدٌ عمرًا. ووجهُ ما رأَى الناظم من ذلك أن القياس لا يمنعه بإطلاق، والسماع يُعَضِّد القول به. أما القياسُ فإن الأل الاستعمالي -كما تقدّم- جوازُ تقديم المفعول على الفاعل، والأصلُ القياسىُّ تقديمُ الفاعِل على المفعول، فإذا ثبت هذا لم يُعْدَل عن إلا لما هو أقوى منه، وليس بموجود في مسألتنا، لأنّ تأخير المحصور إنما يُفْتَقَر إليه إذا لم يكن ثَمَّ دليلٌ عليه سوى التأخير، وقد دلّت إلّا على المحصور بدخولها عليه، فهو معلوم سواءٌ تقدَّم أم لا، بخلاف إنّما فإنها لا تُعيِّن لامحصور من غيره، فالتُزِم التأخير فيه ليتعيَّن. وأما السماع فقد قال زهير:
وَهَلْ يُنْبِتُ الخَطِّى إِلّا وَشِيجُهُ
وتُغْرَسُ إِلّا في مَنَابِتِها النَّخْلُ