أنها لا تلحق معالمذكر لأنه أصل، فيعرض لحاقها إذا عرض إسنادُ الفعل إلى المؤنث، وكان ذلك هو الموجب للحاق، وأما عدم اللحاق فرجوع إلى الأصل، فكيف يُعَبَّر عنه بالحذف. وأحسن من لفظ الحذف تركُ التاء كما قال قبلُ: «وقد يُبيح الفصلُ تركَ التاءِ».
والجواب من وجهين:
أحدهما: أن مثل هذا اللفظ قد يُسْتعمل عرفًا فيما لم يكن ثانيًا قبل ذلك، كقولهم: إنّ حذف النون علامة النصف فى [نحو]: لن يفَعْلا فإن الحذف هنا لم يكن عن إثبات صحيحٍ، وإنما تأتى العربُ به النصب بغير نونٍ، كما تأتى به فى الرفع بالنون. وقولُهم: أصل النصب وغيره الرفعُ، أمرٌ قياسىٌّ تقديرىّ لا يشهد له أصلٌ من كلام العرب. فتسميتهُم له حَذْفًا ضَرْبٌ من الاتّساع على الجملة.
والثانى: أن تقول: أصل الفعل فى القياس أَنْ لا تلحقه علامهٌ، وأصله فى الاستعمال أن تلحقه العلامة مع المؤنث الحقيقى على الجملة، ويَدُل على ذلك كثرة لحاقها معه، والقاعدة أن الكثرة لها الأصالة، وقد ثبت لنا هنا أنّ اللحاق مع المؤنث هو الأكثر، فإذا لم تلحق معه قدّرنا أن عَدم اللحاق حذف صحيح؛ إذ كانت القاعدة تقتضى اللحاق، ولكن عرض سَبَبٌ مَنَع الأصل أن يستمّر، فادّعينا أنّ عَدَم اللحاق حَذْفٌ، وقوفًا مع الأصل وفى هذا بحث.