ما تبيّنن. وهذا ظاهر كلام سيبويه، وذهب إليه طائفة. ولكن هذا التأويل لا يساعد عليه ظاهر عبارة الناظم غلا بتكلف شديد، والذى يساعد عليه كلامه مذهب المبرّد ومن وافقه، وهو أن هذا الباب كلّه محمولٌ على إضمار المصدر المفهوم من الفعل، فهو الفاعل والتقدير: بدا لهم بَداءٌ، ويَهْدِ لهم هُدَى، وتبيَّن لكم تَبَيُّن، وأُوحىِ وَحْىٌ أو إيجادٌ، وكذلك سائر الأمثلة. وقد وقع المبرّد في كتاب سيبويه طُرّةً نصُّها: «بدا لهم فعل، والفعلُ لا يخلو من فاعل، ومعناه عند النحويين أجميعن بدًا لهم بُدوٌّ، وقالوا: ليسُجُننَّه. وإنما أضمر البُدُوَّ لأنه مصدر يدلّ عليه قوله: (بَدَا لَهُم)، وأضمر كما قال تعالى: {والْمَلائِكَةَ يَدْخُلُونَ عَلَيهم مِنْ كُلِّ بابٍ. سَلَامٌ عَليْكم}، ولا يكون (لَيَسْجُنُنَّهُ) بدلًا من الفاعل، لأنه جملة، والفاعل لا يكون جملةً». هذا ما قال، وقد زعم أَنَّه مذهب النحويين أجمعين، يعنى من تقدمه. وقد ذكر ابن خروف أن النحويين خالفوا فيما قال، وعلى الجملة فهم فيه فرقتان، وظاهر الناظم الذهاب إلى رأى المبرّد، وإليه ذهب السيرافي وجماعة من المتأخرين.
والوجه الثالث من أوجه النظر في تعريفه: أنه زاد مثالًا ثالثا في البيت، وهو قوله: «نِعْم الفتى»، وهو لم يُحِلْ عليه في التعريف، بل قال: «كَمَرْفُوعِى أَتَى زيدٌ مُنِيرا وَجْهُه» فظهر أن ذلك المثال حشوٌ بلا فائدة.
والجوابُ: أَنَّ هذا المثال تكميلٌ لما قصد، مع الاكتفاء بما أحال عليه، لأَنّ قوله: «أتى زيدٌ» شمله، ولكنه نبّه على أنه ليس من شرط الفاعل أن يكونَ فعلُه المسندُ إليه متصرّفا كأتى زيد، بل قد يكون غير متصرّف كنِعْمَ. ولا يخرج الاسم بذلك عن كونه فاعلًا، وهو الفتى في مثاله وما حلّ في موضعه؛ إذ لا يعتبر في إعرابه فاعلًا أن يكون فاعلًا معنًى، وإنما يُعْتبر احتياج الفعل إليه لغة، وسمّوه