قالا: سُبَّةً حال، ولو كان مفعولًا ثانيًا لقال: إذا ما رأته عامر وسلول سُبّةً أو اياها. قالوا: ولا دليل فيه لاحتمال حذفه اختصارًا، وإذا كان كذلك فقد دخلت رأى في كلامه أولًا على معانيها الثلاثة، والله أعلم.
فإن قيل: إذا كان كما قلت لزم من إخراجه هذه الأفعالَ وأشباهها ألّا يكون فيها حكم من أحكام هذا الباب، وليس كذلك؛ فإنّ عَرَف وعَلِم بمعناها يدخل فيها التعليق، وليس من أفعال هذا الباب، كما يدخل في رأى بمعنى أبصر ونظر وتفكر، ونحو ذلك، فتقول: عرفتُ أَيُّهم قائم، وعلمت أيُّهم قائم -بمعنى عرفت- نصّ على ذلك سيبويه وغيره.
فالجواب: أنه لم يقل في علم إنه خارج على أحكام هذا الباب جملةً، وإنما ذكر أنه يتعدى إلى واحد، وقال أولا: انصِبْ بفعل القلب، كذا، ثم ذكر ما يتعلق بها من إلغاء وتعليق، وغيرهما. فليس في الكلام أولًا وآخرا ما يقضى في عَرف وعَلِم وغيرهما مما يَتَعلّق حكما بعدم ذلك، بل هي مسكوت عنها، ونحن لا نؤاخذه بما سكت عنه من مسائل النحو ولا فصوله، بل ولا من أبوابه؛ إذ لم يَبْنِ على استيفاء أحكام الكلام كلها، وإِنّما تصدّى للقوانين المشهورة. ولعمري لقد ترك بابين عظيمين ضروريين، وهما باب القسم وباب التقاء الساكنين، وسيُنَبّه عليهما إن شاء الله آخر الكتاب.
ولما كانت رأى الحُلُمية داخلةً في أفعال هذا الباب، مع أنها ليست بفعل قَلبٍ بإطلاق، خاف أَن يُتَوهم أنها ليست منه، فاستدركها بقوله:
وَلِرَأي الرُّؤْيا انّمِ مَا لِعَلِما
طَالِبَ مَفْعُولَين مِنْ قَبْلُ انْتَمىَ