قال تدخل تلك الأفعال المذكورة في كلامه إلا إذا كانت أفعال قلوب، وكل ما ذكر فيها من المعاني المشتركة فليست إذا دلت عليها بأفعال قلوبٍ البتّة إلا علم بمعنى عرف، وظن بمعنى اتّهم، فإنهما من أفعال القلوب، كما أن عرف واتّهم من أفعال القلوب، وليستا من هذا الباب إذ لا تتعدّى إلا إلى واحدٍ، فكان من الواجب أن يُنَبِّه عليهما ويخرجهما عن الباب لئلا يتوهم دخولهما في جميع ما تقدم. ولم يلزمه أن يستثنى غيرهما من الأفعال إذ لا تكون من أفعال القلوب إلا وهي داخلة، ولا تكون على غير ذلك إلّا وهي غير مرادةٍ لقوله: «انصِبْ بفعل القلب». وهذا حسن من التعبير، وتخلّصً بأقلِّ عبارة من التطويل، المُمِلِّ، وإذا وازنت بين عبارته في التسهيل وهذا النظم عرفت فَرْقَ ما بينهما.
وإنما الوارد عليه بلا بدِّ رأى بمعنى اعتقد؛ إذ هو فعلٌ قلبي، وهو عنده متعدٍّ إلى واحدٍ، فكان الواجب عليه أن يخرجه مع عِلْمِ العرفانِ وَظن التُهمَة فإنه مثلهما في الحكم الذي ذكر.
ولا جواب عنه إلا أن يقال: إنه رأى هنا رأي من يقول: إنّه يتعدّى إلى اثنين. وهو مذهب كثير من الناس حسبما يظهر من نَقْلِ الأبّذي. ويدلّ على صحة هذا عند الناظم عدّة من أخوات ظنّ جَعَل بمعنى اعتقد. وإنما حُكِي القولُ بتعدِّيها إلى واحد عن الفارسي وتلميذه، قالاه في قول السّموألِ:
وَإِنّا لقومٌ ما نَرَى القَتْل سُبّةً
إذا ما رأتْه عامرٌ وسلولُ