ولما كان كلامه مطلقًا في نصب الخبر، سواء أكان معرفةً أم نكرة، وكان من مذهبه في الحال أنها/ لا تكون إلا نكرة، دَلّ ذلك من كلامه على أن نصبه على غير جهة الحال، وهو مذهب البصريين. وذهب الكوفيون إلى أن نصبها للخبر إنّما هو نصب على الحال .. وَردّ بأنّ هذا المنصوب الثاني يقعُ معرفةً مضمرًا نحو: ظننتُكَه، وظننتُكَ إِيّاه. وبالألف واللام نحو: ظننتكَ القائمَ، ومضافًا إضافةً محضةٌ مَعْرِفَةٌ، نحو: ظننتُه أخاك، وعلمتُه غلامَك. وعلى غير ذلك، والحال لا يكون ذلك فيها.
فإن قيل: المعرفة إذا وقعت هنا قائمةٌ مقام النكرة، كما قامت مقامها في نحو: طلبتُهَ جَهْدَك وطاقتك، ورجع عَوْدَه على بدئه، وأرسلها العِرَاك. وما أشبه ذلك من المعارف الواقعة حالًا باتفاق، لوقوعها موقع النكرات، فكذلك يقال هنا.
فالجواب: أن هذه ألفاظُ قليلة غير قياسية، فلا يُبْنى عليها حُكْمٌ، بخلاف وقوع المعرفة مع ظننتُ فإنه كثير جدًا، فَتَبايُنُهما في الكثرة والقَلّة دليلٌ على تبايُنِهما في الحُكْمِ. وأيضًا فجهدك وطاقتك وما كان من بابهما مصادر واقعةٌ موقع أفعالها، وأفعالها هى الواقعة موقع الحال، والمصدر يقع موقع فعله معرفة ونكرةً، بخلاف غيره. هذا عُذْرُ ابن الانبارى، وفيه بحث؛ قال الفارسي في التذكرة حين ذكر هذا المذهب عن الفرّاء: (ويقول الفراء): إن الظنّ وبابه أصلُه، قال: فكان على هذا من أولى