وإذا حُذف فالأصل تقديره في مكانه الأصلي، إذا حذف الناصب حينئذٍ تقدره في مكانه الأصلي، ما هو مكانه الأصلي؟ التقديم؛ لأن العامل رتبته مقدمة على المعمول، لأن العامل يقتضي، يطلب، وحينئذٍ نحتاج إلى أن يكون متقدماً على معموله، إلا لمانع أو مقتضي، إلا لسبب يعني، فإن وجد السبب حينئذٍ لا نقدره في مكانه الأصلي بل نؤخره، فالأول الذي هو لمانع نحو: أيَّهم رأيته، نقول: هذا من باب الاشتغال، أيَّ: بالنصب، إذا جئنا نقدر لا نقول: (أيَّ) منصوب بفعل محذوف تقديره: رأيت أيَّ؛ لا، تؤخره، أيَّهم رأيتَ، رأيتَه؟ فإذا جئت تقدر تجعله بعد المفعول به، لماذا؟ لأن أيَّهم الاستفهام له الصدارة في الكلام، فلا يتقدم عليه عامله، ولذلك نقول هنا: يقدر لمانع، يقدر في غير مكانه الأصلي بأن يكون تالياً لمعموله، وليس معمولُه تالياً أو تابعاً له، فلا تقل: رأيت أيَّهم، وإن كان هذا هو الأصل لأنه مفعول به، لكن نقدره متأخراً لما ذكرناه.
أيَّهم رأيته؛ إذ لا يعمل في الاستفهام ما قبله لأن لها حق الصدارة.
ونحو: ((وَأَمَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَاهُمْ)) وَأَمَّا ثَمُودَ بالنصب، قراءة من نصب، وحينئذٍ نقول: ثمودَ هذا مفعول به لفعل محذوف تقديره: أما ثمود هدينا فهديناهم، نؤخره؛ لأن (أَمَّا) لا يتلوها فعل لا لفظاً ولا مقدراً، وحينئذٍ خالفنا لمانع، لوجود (أما)، فنقول: أما ثمود هدينا لا نقول: هديناهم، لا، هديناهم نحتاج تقدير آخر. ثمودَ هدينا هديناهم، إذاً: دل عليه المذكور لكن لا يتقدم على المفعول، إذ لا يلي (أما) فعل.
كذلك نحو: في الدار زيد، أين نقدر؟ إذا أردنا أن نجعل زيد مبتدأ قطعاً لا يحتمل غيره، وفي الدار خبر وقلنا: الخبر هنا متعلق بـ استقر على الصحيح مثلاً، كيف نقدر؟ في الدار: جار ومجرور متعلق بمحذوفٍ خبر تقديره: في الدار زيد استقر، هكذا تقدره: في الدار زيد استقر؛ لأنك لو قلت: استقر في الدار؛ صار زيد فاعل، وإذا أردته مبتدأ حينئذٍ تقدَّم الفعلُ -الجملة الفعلية- على المبتدأ، وإذا قلت: في الدار استقر زيد لم تخرج عن المشكلة، ولا تخرج عنها إلا بتأخير التقدير، فتقول: في الدار زيد استقر، ولذلك في الدار زيد قلنا: يجوز فيه وجهان: زيد على أنه مبتدأ، حينئذٍ إذا قدرنا المتعلق وجب تأخيره، وإذا قلنا: فاعل؛ حينئذٍ يجب تقديمه إلا على مذهب الكوفيين من جواز تقدم الفاعل على الفعل، فإذا أعربنا زيد فاعل هكذا نقول: في الدار متعلق بـ استقر، تقديره: استقر في الدار زيد، فزيد: فاعل، وفي الدار: متعلق به. أو تقول: في الدار استقر زيد، زيد: فاعل. هذا واضح بين.
في الدار زيد استقر؛ على مذهب البصريين يتعين أن يكون زيد مبتدأ، وعلى مذهب الكوفيين من جواز تقدم الفاعل على الفعل يجوز فيه الوجهان.
إذاً: في الدار زيد نقول: يجب تأخير متعلق الجار عن زيد إن قدرته فعلاً؛ لأن الخبر الفعلي لا يتقدم على المبتدأ في مثل هذا، ونحو: إنَّ خلفك زيداً، هذه المواضع نذكرها استثناءً من الأصل، الأصل أنه إذا حذف الناصب –متعلَّق- إذا حذف أن يقدر، ويقدر قبل المعمول، زيداً ضربت زيداً، إلا في بعض المسائل يؤخر عنه.