والأصل أن يسبق فاعل معنىً، يسبق ماذا؟ يسبق المفعول في المعنى، ولذلك قال: فَاعِلٍ مَعْنًى: هذا منصوب بنزع الخافض، أي: أنه فاعل في المعنى، وليس المراد هنا الفاعل اصطلاحاً؛ لأنه لو كان اصطلاحاً كيف نتحدث عنه في باب المفعول به! هذا تعارض، حينئذٍ الفاعل معنىً، يعني في المعنى، منصوب على نزع الخافض.
الأصل أن يسبق فاعل في المعنى، يسبق ماذا؟ مفعولاً في المعنى، وهذا إنما يكون في باب (كسى) لماذا؟ لأن باب (ظن) الأول مبتدأ في المعنى والثاني خبر في المعنى، وحينئذٍ ليس المراد هنا باب (ظن وأخواتها) وإنما المراد به: ما تعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر وهو باب (كسا وأعطى) كما سبق معنا مراراً.
وَالأَصْلُ سَبْقُ فَاعِلٍ: أن يسبق فاعل.
مَعْنًى: أي في المعنى، منهما المفعول معنى، مثل ماذا؟ قال:
كَمَنْ من قولك: ألبِسُنْ بضم السين أمراً للجماعة ليطابق قوله: مَنْ زارَكُمْ، زاركم هذا جمع، فكيف يقال: ألبِسَن، ألبِسَن مفرد، وزاركم، زاركم أنتم، إذاً جمع، وحينئذٍ نقول: السين هنا بالضم، ويجوز فتحها على أن الميم للتعظيم: زاركم أنتم وهو واحد، وإذا كانت الميم هنا للتعظيم صح أن يقال: أَلْبِسَنْ مَنْ زارَكُمْ نَسْجَ الْيَمَنْ.
كَمَنْ: (مَنْ) هذا فاعل في المعنى وهو مفعول أول في التركيب الذي ذكره: أَلْبِسَنْ (مَنْ)، زارَكُمْ نَسْجَ الْيَمَنْ، عندنا لابس وعندنا ملبوس، اللابس هو الفاعل في المعنى وهو (من)، والملبوس هو نسج اليمن، إذاً: الأولى بالتقديم: من زاركم، (منْ) اسم موصول بمعنى الذي أو الذين على الاحتمالين السابقين.
زارَكُمْ: صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
نَسْجَ الْيَمَنْ: نقول: هذا مفعول ثاني لألبسن، هو مفعول في المعنى ومفعول في الإعراب، وأما: من زاركم؛ فهذا فاعل في المعنى مفعول في الإعراب، هل يجوز أن يقال: ألبسن نسج اليمن من زاركم؟ يجوز، لماذا؟ لعدم وجود ما يقتضي التزام الأصل.
وَيَلْزَمُ الأَصْلُ لِمُوجِبٍ عَرَا
وحينئذٍ نقول: الأصل هنا غير واجب الإلزام، فيجوز التقديم والتأخير، فيقال: ألزمن نسج اليمن من زاركم، والأولى أن يقدم ما هو فاعل في المعنى، وحينئذٍ القياس تقديم (من) على نسج، لو خولف القياس نقول: جائز، ولكنه ترك الأولى ولذلك قال: الأصل الراجح الذي ينبغي استصحابه في كل التراكيب، وحينئذٍ لو رجع عن هذا الأصل ولم يعتبره مع عدم وجود ما يقتضي أو يلزم استصحاب الأصل نقول: هذا على الأصل وهو جواز الطرفين، إما تقديم هذا أو ذاك.
مِنْ أَلْبِسَنْ مَنْ زارَكُمْ نَسْجَ الْيَمَنْ: يعني منسوج اليمن، نسج هذا مصدر بمعنى اسم المفعول، فإن (من) هو اللابس، فهو فاعل في المعنى، ونسج اليمن هو الملبوس فهو مفعول في المعنى، ويجوز العدول عن هذا الأصل، فيقدم ما هو مفعول في المعنى على ما هو فاعل في المعنى، فيقال: ألبسُن نسج اليمن من زاركم، وهذا لا إشكال فيه.
إذاً:
وَالأَصْلُ سَبْقُ فَاعِلٍ مَعْنًى كَمَنْ ... مِنْ أَلْبِسَنْ مَنْ زارَكُمْ نَسْجَ الْيَمَنْ