إذاً: ((وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ)) نقول: هذا هل هو خلاف الفصيح؟ لا، إذاً: قد يترجح النصب باعتبار المعنى، فمثل هذه إذا قال النحاة: يجوز الوجهان على السواء، نقول: نعم، على العين والرأس، متى؟ إذا لم يترجح مقتضي النصب، فإن جاء المعنى والسياق ويدل على أن النصب هنا التقدير حينئذٍ نقول: التقدير أولى من عدم التقدير، وقد يكون العكس على حسب الموضع.

وَالرَّفْعُ فِي غَيرِ الَّذي مَرَّ رَجَحْ

الرَّفْعُ: مبتدأ، وجملة رَجَحْ خبر، رجح على النصب بسلامة الرفع من الإضمار الذي هو خلاف الأصل.

وَالرَّفْعُ فِي غَيرِ: فِي غَيرِ هذا جار ومجرور متعلق بقوله: رَجَحْ.

وَالرَّفْعُ رَجَحْ فِي غَيرِ الَّذي مَرَّ: مر أنه يجب معه النصب أو يمتنع أو يكون راجحاً أو مساوياً، حينئذٍ الرفع مقدم.

فَمَا أُبِيحَ افْعَلْ: فافعل ما أبيح، وهذا واضح مأخوذ مما سبق؛ لأنه ما بين لنا وجوب النصب أو اختيار النصب إلا من أجل أن نمتثل، فما خالف ما سبق حينئذٍ نقول: الأصل أنه يترك وَدَعْ: أي: اترك مَا لَمْ يُبَحْ، هذا من باب التأكيد فقط، لكن أخذ منه بعض الشراح -أرباب الحواشي-: أنه أراد دفع إيهام أن المرجوح ليس مقيس؛ لأنه إذا قيل: اختير نصب على الرفع، قد يرد السؤال: الرفع فيما اختير فيه النصب، فصيح؟ قياسي؟ نقول: نعم، ولذلك نقول: هذا من باب فصيح وأفصح كما نقول: صحيح وأصح، فكلاهما لا يخرج عن مطلق الصحة، هنا كذلك كلاهما لا يخرج عن مطلق القياس، وحينئذٍ نقول: النصب اختير وهو أفصح، والرفع فيه فصيح أيضاً، فلا يتوهم أنه اختير النصب حينئذٍ الرفع يكون غير مقيس أو غير فصيح، لا، بل هو مقيس، لك أن تتكلم بالرفع ولا تلام.

إذاً قوله: فَمَا أُبِيحَ افْعَلْ وَدَعْ مَا لَمْ يُبَحْ؛ دفع به توهم أن ما خالف المختار من الوجوه السابقة لا يقاس عليه، بل يقتصر فيه على السماع، وهذا استنباط جيد.

فَمَا أُبِيحَ افْعَلْ: (مَا) إعرابها: اسم موصول، إذا قيل: إعرابها لا نقول اسم موصول إلا إذا تريد أن تتمم، يعني جواب السؤال لا يقال: ما إعراب ما؟ تقول: اسم موصول وتسكت، أنا متى أسكت، ما نوع الكلمة؟ لو قلت: ما نوع الكلمة؟ تقول: اسم موصول وتسكت، تقول: اسم موصول في محل نصب لا إشكال، اسم موصول في محل نصب مفعول به، أين العامل؟ افْعَلْ، إذاً: الفاء هذه للتفريع، يعني: يتفرع عن ذكر المسائل السابقة الخمسة لا بد من الامتثال، فَافْعَلْ: هذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، هذا الأصل في لسان العرب وفي الشرع، الأمر يقتضي الوجوب.

فَمَا أُبِيحَ: يعني: فافعل ما أبيح لك فيما يرد عليك من الكلام أن ترده إليه وتخرجه عليه.

وَدَعْ: أي اترك مَا لَمْ يُبَحْ لك فيه ذلك، وحينئذٍ ترجع إلى الأصول.

هذا هو الذي تقدم أنه القسم الرابع، وهو ما يجوز فيه الأمران ويختار الرفع، وذلك كل اسم لم يوجد معه ما يوجب نصبه ولا ما يوجب رفعه ولا ما يرجح نصبه ولا ما يجوِّز فيه الأمرين على السواء، وذلك نحو: زيد ضربته، فيجوز رفع زيد ونصبه والمختار رفعه؛ لأن عدم الإضمار أرجح من الإضمار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015