إذا عندنا قاعدة عامة وثبت من كلام العرب .. استقراء كلام العرب أن حروف الجر لا تدخل إلا على الأسماء، فإذا جاء مثال بيت أو بيتان أو عشرة إلى عشرين، نقول: هذا لا ينقض القاعدة؛ لأنه ثبت بآلاف الأبيات أن حرف الجر لا يدخل إلا على الأسماء، فإذا وجد ما هو ظاهره أن الحرف دخل على فعل لا يشتبه علينا، نقول: هذا مشتبه .. هذا محتمل، ولا نرجع إلى الأصل بالنقض، بل نؤول هذا، ونقول: والله ما هي بنعم الولد، ما هي بنعم، أن الباء هنا ليست داخلةً على نعم وهو فعل، بل داخلة على اسم محذوف، تقديره: والله ما هي بولد مقول فيه: نعم الولد، فحذفت الصفة وموصوفها، وهو مقول: بولد، الباء دخلت على اسم، إذاً: اطردت القاعدة أو لا؟ اطردت القاعدة، بولدٍ: ولدٍ هذا اسم، مقولٍ: هذا صفة له، ومقول: هذا اسم مفعول، مقول فيه نعم الولد، فحذفت الصفة مع الموصوف، ولدٍ مقولٍ فيه، وأقيم معمول الصفة مقامه، فصارت: بنعم الولد، إذاً: الباء هنا ليست داخلةً على الفعل بل داخلة على اسم محذوف.

ومثله: نعم السير على بئس العيرِ، نعم السير على عيرٍ مقول فيه: نعم العير، لا بد أن نؤول.

ومذهب الكوفيين أو بعض الكوفيين احتجاجاً بهذه الأمثلة ونحوها على أن: نعم وبئس، اسمان ضعيف لما ذكرناه، لماذا؟ لأنه إذا قيل بأن الحرف كلما دخل على لفظ حكمنا عليه بأنه اسم، نقول: نام، فعل باتفاق البصريين والكوفيين، وقد سمع:

والله ما لَيْلِي بنَامَ صاحبُهْ ... ولا مخالطِ اللّيَان جانِبُهْ

والله ما لَيْلِي بنَامَ، هل نقول: نام، هذا اسم وليس بفعل؟ لا، لماذا؟ لأن الحرف هنا، نقول: أمكن تأويله للإجماع القطعي بين البصريين والكوفيين، أن نام فعل وليس باسم، إذاً: لا بد من تأويل هذا البيت باتفاق، بليل مقول فيه نام صاحبه، لا بد أن نقدر، وإذا قيل: عدم التقدير .. أولى من التقدير، هذه ليست على اطرادها، بل قد يكون التقدير أولى من عدم التقدير.

إذاً: بالجر، نقول: هذا علامة اسمية مدخوله، مطلقاً؟ مطلقاً، فإما أن يكون الاسم صريحاً مراتبِ زيدٍ، وإما أن يكون الاسم مؤولاً بالصريح، مثل: بنعم، وبئس .. بنام إلى آخره، فهذا نقول: مؤول بالصريح.

بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا: بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ، هل المراد بدخول الكسرة أو حرف الجر أن يكون دخولاً بالفعل أو بالقوة، هل يشترط في صدق هذه العلامة أن تدخل بالفعل على مدخولها، أم يكفي أنها قابلة لها؟ الصحيح: أنه في جميع العلامات .. علامات الاسم والفعل أنه يكفي مجرد القبول فحسب، ولا يشترط فيه أنه يدخل بالفعل، يعني: تقول: زيد، زيد هل هو قابل لحرف الجر أو لا؟ هل لا بد أن تثبت اسميته وتقول: مررت بزيد، تدخل عليه حرف جر وتظهر الكسرة؟ قل: لا، مجرد القبول الذي يكون تصوره في الذهن يكفي ولا يشترط فيه الإدخال بالفعل.

إذاً: يكفي صحة قبول اللفظ لحرف الجر أو الكسرة في الصدق عليه بأنه اسم.

إذاً: عرفنا أن الجر هو الكسرة التي يحدثها عامل الجر، هذا على القول بأن الإعراب لفظي كما سيأتي في موضعه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015