وأما إقامة الثالث من باب أعلم فنقل الاتفاق على منعه، وليس كما قيل، يعني: أجازه بعضهم حيث لا لبس، وهذا صحيح أيضاً، وأما كونه خبراً .. وإلى آخره، نقول: هذه التعليلات كلها قبل دخول أعلم، فلما دخلت أعلم حصل فيه نوع تغير، وإلا لو كان المعنى قبل دخول أعلم وبعده سيان مستويان من كل وجه لا فائدة من وجود أعلم لا بالهمزة ولا بالفعل نفسه، بل نقول: ثم تغير حصل بعد دخول أعلم وأرى غير المعنى ولو من جهة التمام عما كان عليه سابقاً.
فلو حصل لبس تعين إقامة الأول في باب ظن وأعلم، نعم، لو حصل لبس تعين الأول، لابد من ضبطها، لو حصل لبس تعين إقامة الأول في باب ظن وأعلم، كما هو الشأن في باب كسا، فلا تقل: ظُنَّ زيداً عمروٌ، على أن عمروٌ هو المفعول الثاني، ولا أُعلِمَ زيداً خالدٌ منطلقاً، لو غيرت وبدلت: خالداً، وخالدٌ .. إلى آخره، قد يحصل نوع لبس، حينئذٍ إذا حصل اللبس تعين إقامة الأول.
فِي بَابِ ظَنَّ وَأَرَى الْمَنْعُ اشْتَهَرْ ... وَلاَ أَرَى مَنْعَاً إِذَا الْقَصْدُ ظَهَرْ
هذا النظم قالوا فيه أمور، أولاً: حكاية الإجماع، فالإجماع الاتفاق.
الأصل أن الإجماع هو اتفاق، إذاً: أخذنا الاتفاق جنساً في حد الإجماع، كاصطلاح عند الأصوليين الاتفاق هو الإجماع والإجماع هو الاتفاق ولا خلاف بينهم، لكن قد يعبر بعض الفقهاء بكلمة اتفاق على ما اصطلحوا عليه، إما اتفاق أرباب المذهب، إما اتفاق الأصوليين فحسب، إما اتفاق النحاة .. إلى آخره، فيكون أخص من حيث الاصطلاح، أما الحجة الشرعية الذي هو قسيم للكتاب والسنة فالإجماع هو الاتفاق، فإذا قيل: اتفقوا –الفقهاء- بمعنى أجمعوا، وإذا قيل أجمعوا بمعنى اتفقوا فلا فرق بينهما.
هنا حكى الاتفاق، وقلنا: المسألة فيها خلاف، قال: وَبِاتِّفَاقٍ، إذاً: نأخذ على النظم أنه حكى الإجماع.
ثانياً: عدم اشترط كون الثاني من باب ظن ليس جملة، قال: وَلاَ أَرَى مَنْعاً، وهذا فيه خلل؛ لأنه ولا أرى منعاً من إقامة الثاني مطلقاً ولو كان جملة، وهذا ممنوع باتفاق.
الثالث: إيهام أن إقامة الثالث غير جائزة باتفاق، هذه ثلاثة أمور ذكرها للتوضيح مما أخذ على الناظم.
وَمَا سِوَى النَّائِبِ مِمَّا عُلِّقَا ... بِالرَّافِعِ النَّصْبُ لَهُ مُحَقَّقَا
إذا عرفنا أن الفعل يتعدى إلى مفعولين أو أكثر وأنبنا واحداً من هذه المفاعيل، فما حكم المفاعيل الأخرى؟
قلنا: القاعدة: أن نائب الفاعل جرى مجرى الفاعل، والفاعل لا يتعدد، فكذلك نائب الفاعل لا يتعدد، فإذا قلنا: ظُنَّ زيدٌ، أقمنا الأول، الثاني حكمه واجب النصب، لا نقل: ظُنَّ زيدٌ قائمٌ فحينئذٍ زيدٌ هذا نائب فاعل أول، وقائمٌ نائب فاعل ثاني، لا، يبقى المنصوب على حاله، والعامل فيه ظُنَّ، وأُعْلِمَ، أُعْلِمَ زيدٌ أقمنا الأول، فرسك مسرجة، يبقى الثاني والثالث منصوب، وهذا ليس خاص بالمفاعيل، بل يشمل الظروف والمصادر والمفعول المطلق، كل ما يتعلق به الفعل إذا أقيم نائب الفاعل بقي الباقي على أصله.
وَمَا سِوَى النَّائِبِ ممَّا عُلِّقَا ... بِالرَّافِعِ النَّصْبُ لَهُ مُحَقَّقَا