وَلاَ أَرَى مَنْعاً إذَا الْقَصْدُ ظَهَرْ: فهم من كلامه: أنه لا خلاف في جواز إنابة المفعول الأول في الأبواب الثلاثة كلها كما سبق، الأول في باب كسا، وفي باب ظن، وفي باب أرى، كلها جائزة أن يناب الأول مناب الفاعل، فيكون نائب فاعل ولا إشكال فيه، وقد صرح به في شرح الكافية كما سبق، يعني: أنه إذا كان الفعل متعدياً إلى مفعولين الثاني منهما خبرٌ في الأصل كظن وأخواتها، أو كان متعدياً إلى ثلاثة مفاعيل كأرى وأخواتها، فالأشهر عند النحويين أنه يجب إقامة الأول، سواء كان من باب ظن، أو من باب أعلم وأرى، أما أعلم وأرى واضح أنه مفعول به حقيقة، وأما باب ظن؛ لأنه مبتدأ والمبتدأ مخبر عنه في المعنى، ونائب الفاعل مخبر عنه في المعنى فاتفقا، بخلاف الثاني فهو خبر في الأصل، ونائب الفاعل مخبر عنه، فكيف يكون الشيء خبراً ويكون مخبرٌ عنه! هذا محل نظر.
ويمتنع إقامة الثاني في باب ظن، والثاني والثالث في باب أعلم، فتقول: ظُنَّ زيدٌ قائماً، ظُنَّ هذا فعل أمر أو ماضي؟ ماضي، لم لا يكون أمر؟ لا يدخل معنا فعل أمر: فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ قلنا: هناك الفعل ماضي ومضارع فقط، الأمر لا وجود له، وظُنَّ في الصيغة في اللفظ موافق للأمر، موافق ظُنَّ يا زيدُ كذا، وظُنَّ زيدٌ قائمٌ نقول: هذا في اللفظ موافق مثل: خُصَّ.
ظُنَّ زيدٌ قائماً، ظُنَّ هذا فعل ماضي مغير الصيغة مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، زيدٌ نائب فاعل وقائماً هذا مفعول ثاني لـ (ظُنَّ)، ولا يجوز أن تقول: ظُنَّ زيداً قائمٌ بإقامة الثاني ونصب الأول هذا غير جائز، لما ذكرناه من علة.
أُعلِمَ زيدٌ فرسك مسرجاً هذا أقيم فيه الأول، أعلمت زيداً فرسك مسرجاً، أعلمت زيداً حذفت التاء، أُعلِمَ زيدٌ أقمنا الأول، فرسك مسرجاً: فرسك مفعول ثاني، بقي كما هو ومسرجاً مفعول ثالث بقي كما هو، هذا متعين عند الجمهور، ولا يجوز إقامة الثاني: أُعلِمَ زيداً فرسُك مسرجاً، برفع فرسُك، ونصب زيداً الذي هو المفعول الأول، ونصب مسرج الذي هو المفعول الثالث، هذا لا يجوز عندهم، ولا إقامة الثالث، فتقول: أُعلِمَ زيداً فرسَك مسرجٌ، برفع الثالث هذا غير جائز عند الجمهور، ونقل ابن أبي الربيع الاتفاق على منع إقامة الثالث، ونقل الاتفاق أيضاً ابن المصنف، لكن هذا كله فيه نظر، وذهب قوم منهم المصنف إلى أنه لا يتعين إقامة الأول لا في باب ظن ولا في باب أعلم، لكن يشترط أن لا يحصل لبس، وهذا أصح، في باب النيابة كما ذكرنا حتى في المفاعيل ينظر إلى المعنى، إن كان المفعول الأول إقامته أجود من حيث المعنى البياني البلاغي أقيم، وإن كان الثاني كذلك وإن كان الثالث، لا نكون ظاهريين هكذا، لابد من النظر إلى القاعدة مع المعنى البياني، فتقول: ظُنَّ زيداً قائمٌ وأُعلِمَ زيداً فرسُك مسرجاً، هذا كله جائز.