وإن لم يلبس جاز مطلقاً، وقيل: يمتنع مطلقاً، وقيل: إن لم يُعتَقَد القلبُ، وقيل: إن كان نكرة يعني: الثاني، والأول معرفة، هذه أربعة أقوال، ابن مالك يقول: بِاتِّفَاقٍ، والخلاف موجود، هذا مثل الفقهيات هناك، إجماع! وترى المسألة مبثوثة وفيها خلاف سابق.

وعلى القول بالجواز، فقال البصريون: إقامة الأول أولى، إذا قيل بالجواز مع أمن اللبس، وهذا هو الظاهر، إذا أمن اللبس نقول: جائز، لكن إذا قيل بالجواز أيهما أولى؟ كسي زيدٌ جبةً، أو كُسي زيداً جبةٌ أيهما أولى أو ذاك؟ قيل: الأول أولى، إقامة الأول أولى، وقيل: إن كان الأول نكرة فإقامته قبيحة، وإن كان معرفتين استويا في الحسن.

على كل في مثل هذا الصواب أن يقال: ينظر إلى المعنى، إذ لا ينفك النحو عن البيان، فإذا اقتضى المعنى البياني البلاغي إقامة الأول أقيم، وإن اقتضى المعنى إقامة الثاني أقيم الثاني، ولا نقول يرجح مطلقاً هكذا، لا، وإنما نقول: ينظر إلى المعنى وهذا أجود، لذلك لا انفكاك هذا عن ذاك.

وَبِاتِّفَاقٍ قَدْ يَنُوبُ الثَّانِ مِنْ ... بَابِ كَسَا فِيمَا الْتِبَاسُهُ

فِيمَا الْتِباسُهُ يعني: في تركيب أمن فيه التباس، فإن لم يؤمن رجعنا للأصل وهو المنع.

قال ابن عقيل: إذا بني الفعل المتعدي إلى مفعولين لما لم يسم فاعله، فإما أن يكون من باب أعطى أو من باب ظن.

فإن كان من باب أعطى، وهو المراد بهذا البيت، فذكر المصنف أنه يجوز إقامة الأول منهما وكذلك الثاني، يجوز الاثنان.

قال: ذكر المصنف: يجوز إقامة الأول منهما، أين ذكره؟ هو يقول: الثَّانِي، وَبِاتِّفَاقٍ قَدْ يَنُوبُ الثَّانِي، ما قال الأول، لكن قلنا هذا بالمفهوم، بالمفهوم دل على أن الأول باتفاق يجوز إنابته، هذا لا خلاف فيه، وكذلك الثاني بالاتفاق، فتقول: كُسِي زيدٌ جبةً، كُسِي فعل ماضٍ مغير الصيغة، وزيدٌ نائب فاعل، وجبةً مفعول الثاني: وزيدٌ تقول: نائب فاعل، لكن في المعنى هو المفعول الأول، وجبة هو المفعول الثاني، فالنظر في المعنى مفعول -في زيد-، والنظر إلى اللفظ والإعراب هو نائب فاعل، مع كون المفعول له حكم المغاير للفاعل من حيث الإعراب، هذا منصوب وهذا مرفوع، هذا فضلة وهذا ليس بفضلة، وحينئذٍ المعنى شيء والإعراب شيء آخر، لا يلزم منهما كل منهما يلزم الآخر لا، قد يتمم المعنى الإعراب وقد يكون العكس.

وأُعطي عمروٌ درهماً: أُعطي فعل ماضي مغير الصيغة، وعمروٌ نائب فاعل، ودرهماً مفعول ثاني، وإن شئت أقمت الثاني: أعطي عمراً درهمٌ وكسي زيداً جبةٌ لعدم اللبس، هذا إن لم يحصل لبس بإقامة الثاني، فإذا حصل لبس وجب إقامة الأول: أعطيت زيداً عمراً، هنا يجب أن تقول: أعطي زيدٌ عمراً، ولا يجوز العكس، لا يجوز إقامة الثاني؛ لئلا يحصل لبس؛ لأن كل واحد منهما يصلح أن يكون آخذاً بخلاف الأول.

قال: ونقل المصنف الاتفاق (وَبِاتِّفَاقٍ) نقول: نقل الاتفاق هذا فيه نظر، فمذهب الكوفيين منع إقامة الثاني إذا كان نكرة والأول معرفة، وقيل: بالمنع مطلقاً، هذا في الجملة ثلاثة أقوال.

فِي بَابِ ظَنَّ وَأَرَى الْمَنْعُ اشْتَهَرْ ... وَلاَ أَرَى مَنْعَاً إِذَا الْقَصْدُ ظَهَرْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015