وكذلك: ((ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ)) كَثِيرٌ: هذا مبتدأ مؤخر، وعَمُوا: بالواو، وظاهره أنه على لغة: أَكَلُوني الْبَرَاغِيثُ، وحينئذٍ ينبغي حمله على ما ذكرناه، ومثله: {يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ} يَتَعَاقَبُونَ –بالواو-، مَلاَئِكَةٌ، نقول: هذا يجب حمله على ما ذكرناه.
إذاً: الرابع: تجريد الفعل إذا أسند لمثنى أو جمع.
الخامس: أنه يحذف الرفع جوازاً إذا دل عليه دليل، وأشار إليه بقوله: وَيَرْفَعُ الْفَاعِلَ ... البيت -هذا الخامس-.
والسادس -وهو ما وقفنا عليه- وأشار إليه بقوله: وَتَاءُ تَأنِيثٍ، والمراد به: أن الفعل إذا كان الفاعل مؤنث حينئذٍ يؤنَّث الفعل باعتبار فاعله –مطلقاً- سواء كان مؤنثاً تأنيثاً حقيقياً أو كان تأنيثاً مجازياً، وحينئذٍ نقول: يلحق بالفعل علامة تدل على تأنيث الفاعل، قلنا: ثَمَّ فرق بين أن نلحقه علامة تدل على تأنيث الفاعل، وبين أن نلحقه علامة تدل على أنه مثنى أو جمع، إذ الأول -علامة تأنيث الفاعل- هذه مجمع عليه في سائر لغات العرب، ليست خاصة بلغة دون لغة.
كذلك قد يلتبس الفاعل: قام هند، هند هذا علم لمذكر وقد يقال لمؤنث، يسمى به ذاك وذاك، كذلك زيد قد يسمى به مذكر ومؤنث، حينئذٍ إذا لم نأت بعلامة تدل على أنه مؤنث وقعنا في لبس وحينئذٍ لا بد من التأنيث.
ثالثاً: أن التأنيث قد يكون واجباً في بعض الأحوال كما سيأتي: وَإِنَّمَا تَلْزَمُ فِعْلَ مُضْمَرِ ... الخ، وحينئذٍ نقول: هذا واجب في بعض أحواله، وأما في لغة من ألحق بالفعل علامة تثنية أو جمع لا يوجبونه، وإنما هو جائز أن نقول: قاما الزيدان وقام الزيدان على الأصل، فدل على أنهم يعرفون هذه اللغة الأصل، وإنما ألحقوا العلامة -علامة التثنية أو الجمع- بالفرعية.
إذاً: يؤنَّث الفعل له إذا كان مؤنثاً بتاء ساكنة في آخر الماضي، وبتاء المضارع في أول المضارع، فيقال: قامت هند فيؤنث، ويقال: هند تقوم، تقوم هند؛ التاء هذه للتأنيث اكتفاءً بحرف المضارعة، ولا تتصل به تاء التأنيث الساكنة.
قال رحمه الله:
وَتَاءُ تَأْنِيثٍ تَليِ المَاضِي إِذَا ... كَانَ لأُِنْثَى كَأَبَتْ هِنْدُ الأَذَى
وَتَاءُ تَأنِيثٍ تَلِي المَاضِي: تاء تأنيث ساكنة أصالة، وهي علامة من علامات الماضي: وَمَاضِيَ الأفْعَالِ بِالتَّا مِزْ -كما سبق-.
تَلِي المَاضِي: التَّاءُ مبتدأ، وهو مضاف وتَأنِيثٍ مضاف إليه وتَليِ - هي- التاء جملة في محل رفع خبر، والماضي هذا مفعول به سُكِّن للوزن، مَاضِيَ أصله الماضيا، يجب تسكينه من أجل الوزن، وحينئذٍ نقول: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الضرورة.
إذَا كَانَ لأُِنْثَى: إذا كان الماضي مسنداً لأنثى.