إذا دل دليل على الفعل جاز حذفه وإبقاء فاعله، كما إذا قيل لك: من قرأ؟ تقول: زيد، التقدير: قرأ زيد، وقد يحذف الفعل وجوباً إذا فسر بـ (ما) بعد الفاعل من فعل مسند إلى ضميره أو ملابسه، إذا فسر بما بعد الفاعل من فعل مسند إلى ضميره، مثل ماذا؟ ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ)) [التوبة:6]، ((إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ)) [الانشقاق:1]. إذا وقع الاسم بعد (إن) الشرطية أو (إذا) الشرطية فحينئذٍ يتعين أن يكون ما بعدها فاعل، والذي دل على ذلك المفسِّر بعده مع أن (إن) الشرطية و (إذا) الشرطية لا يليهما الجملة الاسمية البتة، وإنما لا يليهما إلا الفعل، فإذا وجد في التركيب ما قد تبع أو جاء تالياً لـ (إن) الشرطية أو (إذا) حينئذٍ لزم أن نعرب الاسم مبتدأ وما بعده خبر، وعلى مذهب الكوفيين من جواز تقدم الفاعل على فعله يجوز عندهم أن يعرب مبتدأً، ويجوز أن يعرب فاعل، وهو مرجح.
((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ)) اسْتَجَارَكَ أَحَدٌ، حينئذٍ أَحَدٌ هذا يصلح أن يكون فاعلاً لقوله: ((اسْتَجَارَكَ))، وعلى القاعدة: يجوز تقديم الفاعل على عامله، إذاً: إِنْ أَحَدٌ، أَحَدٌ هذا فاعل بناءً على القاعدة السابقة: مَشْيُهَا وَئِيدَاً، وحينئذٍ نقول: أَحَدٌ هذا فاعل، وإذا أعرب فاعل حينئذٍ لم يتلو (إن) اسم، وإنما تلاه فعل، هذا هو الأصل، إذاً: وافق الكوفيون البصريين في أن (إن) لا يليها إلا الفعل، ولكن لجواز أن يقدم الفاعل على الفعل أعربوا أَحَدٌ أنه فاعل.
إذاً النتيجة: أن (إن) هنا لا يليها إلا الفعل، وخالفناهم في صحة القاعدة والاستدلال، لما امتنع أن يكون أَحَدٌ فاعلاً عند البصريين، إذاً لا بد من تقدير فعل محذوف، هذا الفعل ما حكمه، جائز الحذف أم واجب الحذف؟ واجب الحذف، لماذا؟ لأن الذي دل عليه الملفوظ، ولذلك قلنا في الضابط: إذا فسر بما بعد الفاعل من فعل مسند إلى ضميره أو ملابسه، هذا هو الذي دلنا على الفعل المحذوف، هو الذي فسره، فإذا قدرناه امتنع أن يجمع بين المفسِّر والمفسَّر فصار واجب الحذف.
وَإِنْ أَحَدٌ، (وإن استجارك أحد من المشركين استجارك)، هذا التركيب، لكن لا يفصح به إلا في مقام التعليم، وأما عند الإعراب فلا، غلط، فلا تقل: وإن استجارك أحد من المشركين استجارك لا، لأنه لا يجمع بين الجملتين، استجارك واستجارك لا يجمع بينهما إلا في مقام التعليم، وحينئذٍ: استجارك الملفوظ به الموجود في الآية دل على استجارك المحذوف، ولما امتنع الجمع بينهما حينئذٍ صار حذفه واجباً.
((إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ)) [الانشقاق:1] السَّمَاءُ على مذهب الكوفيين فاعل للفعل المتأخر انشَقَّتْ ولا إشكال.
إذاً: ((إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ)) أصلها: إذا انشقت السماء، إذاً لم يتل إذا إلا فعل، عند البصريين لا، إذا انشقت السماء انشقت، صار واجب الحذف لماذا؟ لأنه لا يجمع بين المفسِّر والمفسَّر، هذان قولان متقابلان.