هل ثَمَّ قسم ثالث من أنواع الفاعل؟ بعضهم رأى أن ثَمَّ قسماً ثالثاً وهو الفاعل المحذوف، بعض التراكيب قلنا: يحذف منها الفاعل وجوباً، لا يجوز ذكر الفاعل معها البتة، وحينئذٍ هل هو قسم ثالث أم لا؟ من نظر إلى لسان العرب من حيث الوضع: الأصل في كل فعل أن يكون له فاعل حينئذٍ يصير هذا الحذف عرضاً، والتأصيل والتقعيد إنما يكون بالأصول لا بالفروع. هذا أولاً.
ثانياً: ينظر إلى أن الفاعل الذي حذف لعلة والمحذوف لعلة كالثابت بأنه موجود، وحينئذٍ يدخل في قوله: بَعْدَ فِعْلٍ فَاعلٌ، يعني ما حذف لعلة تصريفية كالواو من: "لَتُبْلَوُنَّ" أو "تَرَيِنَّ" الياء، وحينئذٍ نقول: هذا داخل في قوله: بَعْدَ فِعْلٍ فَاعلٌ، وهذا لا إشكال فيه.
وأما: (أَتَاَكَ أَتَاكِ اللاَّحِقُونَ)، حينئذٍ نقول: أتاكِ لا فاعل له، هل هو بأصل الوضع أم بطروء عليه؟ الثاني. لو قلت: أتاكَ لا بد من فاعل: أتاك زيد، نقول: هذا فعل اقتضى فاعلاً، إذاً: في هذا التركيب على جهة الخصوص لكونه مؤكداً، والفعل المؤكد لم يقصد فيه الإسناد أصالة، ما قصد فيه الإسناد، وإنما قصد فيه تأكيد المعنى الذي دل عليه الفعل السابق، وحينئذٍ نقول: القسمة ثنائية: فعل ظاهر وفعل مستتر.
لم يذكر الناظم القسم الثالث وهو الفاعل المحذوف لندرته ولا حكم له، وكلها قابلة للنقاش، يعني ما قيل فيها أنها محذوفة، وسيأتي شيء منها.
وتظهر فائدة الخلاف في غير الصورة الأخيرة وهي صورة الإفراد، نحو: زيد قام، فتقول على مذهب الكوفيين: الزيدان قام بالإفراد، ما تقول: قاما بالألف، وعلى مذهب البصريين: الزيدان قاما بالألف، والزيدون قاموا، وأما مذهب الكوفيين لا، الزيدان قام، والزيدون قام، -حتى أنها ركيكة-. الزيدون هذا فاعل مقدم، وقام: هذا فعل مؤخر، وهذا ما يتحد.
وَجَرِّدِ الْفِعْلَ إِذَا مَا أُسْنِدَا ... لاِثْنَيْنِ أَوْ جَمْعٍ كَفَازَ الشُّهَدَا
وَقَدْ يُقَالُ سَعِدَا وَسَعِدُوا ... وَالْفِعْلُ لِلظَّاهِرِ بَعْدُ مُسْنَدُ
أشرنا إلى هذه المسألة في كلامنا على المبتدأ الذي هو النوع الثاني، أن الأصل في الفعل أن يجرد عن علامة تدل على تثنية الفاعل أو جمعه، فتقول: قام زيد، زيد هذا فاعل وهو مفرد، وإذا ثني الفاعل بقي الفعل على إفراده كما هو، لأن الحدث واحد، الجنس واحد، قام الزيدان، فالزيدان قد اشتركا في إحداث قيام وهو شيء واحد دل عليه لفظ قام، وليس هما قيامين حتى نحتاج إلى تثنية قاما وإنما هو شيء واحد، فيلزم الإفراد مع الفاعل المثنى، فتقول: قام –بالإفراد- الزيدان كما تقول: قام زيد.