إذاً: عرفتُ زيداً يتعدى إلى واحد، إذا جاءت علم بمعنى عرف حينئذٍ يتعدى إلى واحد، هل تكون من هذا الباب؟ الجواب: لا، لا تكون من هذا الباب، علمتُ زيداً، نقول: هذا يتعدى إلى واحد فقط، (ظنَّ) تتعدى إلى اثنين، وقد تأتي بمعنى اتهم، اللفظ هنا لا يراعى فحسب، إنما ينظر إلى معناه أيضاً، ظننت زيداً، قد يظن الظان ظننت زيداً قائماً، فحذف المفعول الثاني، لكن ظننتُ إذا كانت بمعنى اتهم، حينئذٍ تتعدى إلى واحد: اتهمتُ زيداً، ظننتُ زيداً. ذكرها من باب الاستطراد فحسب؛ لبين أنه إذا دخلت عليها همزة الاستفهام وتعدت إلى اثنين ليس للمفعولين حكم المفعولين الأصليين.

لِعِلْمِ عِرْفَانٍ: مضاف ومضاف إليه، هذا خبر مقدم.

وَظَنِّ تُهَمَه: أيضاً: مضاف ومضاف إليه، عِرْفَانٍ هذا مصدر عرف، وَظَنِّ تُهَمَه: تُهَمَه مصدر اتهم.

عِلْمِ عِرْفَانٍ، عِلْمِ يدل على العرفان، فهو من إضافة الدال إلى المدلول.

(ظَنِّ) تُهَمَه، (ظنَّ) يدل على التهمة، هذا من إضافة الدال إلى المدلول، والمراد: لعلم عرفان أي: لهذه المادة الدالة على العرفان بأي صيغة كانت، وكذا يقال فيما بعده.

لِعِلْمِ عِرْفَانٍ وَظَنِّ تُهَمَهْ ... تَعْدِيَةٌ لِوَاحِدٍ مُلْتَزَمَهْ

يعني: يجب أن يتعدى إلى واحد، تَعْدِيةٌ هذا مبتدأ مؤخر؛ لِعِلْمِ عِرْفَانٍ وَظَنِّ تُهَمَه: متعلق به، لِوَاحِدٍ: هذا متعلق بقوله: تَعْدِيةٌ، ومُلْتَزَمَهْ: هذا صفة لتعدية.

تَعْدِيةٌ مُلْتَزَمَهْ، يعني: واجبة متحتمة.

لِوَاحِدٍ: لمفعول واحد لا لاثنين، فليس كلما رأيت (علم وظن) فهو يتعدى لاثنين، لا، قد يتعدى إلى واحد، وإن لم يكن بمعنى السابق.

لِعِلْمِ عِرْفَانٍ وَظَنِّ تُهَمَه: نقول: نبه على أنهما لا يتعديان إلى مفعولين أحياناً، إذا كانت علم بمعنى عرف، وظن بمعنى اتهم، مع أن الحكم عام في سائر الأفعال، أفعال القلوب، كما ذكرناه سابقاً، (خال) قد تتعدى إلى واحد وكذلك (درى ووجد) قد تتعدى إلى واحد كل الأفعال، قد تكون لازمة لا تتعدى، وقد تتعدى إلى واحد، لماذا نص على هذين الفعلين وترك البقية، مع أن الحكم عام في سائر الأفعال؟ لأن (علم وظن) الأصل -هي الأصل-، وما عداهما فهو محمول عليه، ولذلك نقول: وجد تأتي بمعنى علم، وحسب تأتي بمعنى ظن، هي أصل، حينئذٍ لها مراعاة من حيث الذكر وعدمه، وغيرهما ينصبان إذا كانا في معناهما، وأيضاً غيرهما عند عدم النصب يخرج عن القلبية غالباً، إذا لم تنصب: (درى وحسب) ونحو ذلك إذا لم تنصب حينئذٍ خرجت عن معنى القلب، هذا في الغالب، بخلاف (علم) إذا خرجت إلى المعرفة، المعرفة قلبية أيضاً ما زالت، والتهمة كذلك ما زلت قلبية، إذاً: كونها تتعدى إلى واحد لن يخرج عن معناها الأصل، وهو أنه فعل قلبي، ولذلك نص الناظم عليهما.

الفرق بين العلم والمعرفة: قيل: بأن المعرفة هنا تتعلق بالذات -شخص واحد-، وأما العلم فيتعلق بالصفات المعاني، العلم يتعلق بصفات الذوات وأقسامها، والمعرفة تتعلق بالذوات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015