إذاً: جوز الكسائي الرفع قبل استكمال الخبر، ولكن البصريين يأبون ذلك، ويقولون: لابد من التخريج إما على التقديم والتأخير، وإما على الحذف إما هذا وإما ذاك، إما ثم محذوف في الكلام، يعني: (وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى) نجعلها مبتدأ خبره محذوف: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى كذلك، مبتدأ وخبر والجملة معترضة: ((مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ))، فقوله: ((فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)) هذا خبر (إنّ)، وجملة: وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى كذلك، جملة معترضة، أو على التقديم والتأخير، أي: تقديم المعطوف وتأخير الخبر والقصد العكس، والتقدير: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا .. مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا، وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى كذلك، ومَنْ آمَنَ في محل رفع بالابتداء وخبره: فَلا خَوْفٌ إلى آخره، والجملة خبر (إنّ)، وخبر وَالصَّابِئُونَ المحذوف، أي: كذلك كما علم.
إذاً: إذا جعلناه على التقديم والتأخير يكون التركيب: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا .. مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى كذلك، كأننا جعلنا الكلام جملتين أتممنا الجملة الأولى، ثم قلنا: وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى كذلك، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ .. انتهت الآية مبتدأ وخبر، فَلا خَوْفٌ هذه جملة، وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى كذلك، صارت جملة مستقلة، وهذا أولى، ويجوز أن يكون: مَنْ آمَنَ خبر الصَّابِئُونَ، وخبر (إنّ) محذوف لدلالة خبر الصَّابِئُونَ عليه، فالحذف على هذا من الأول لدلالة الثاني وعلى الأول من الثاني لدلالة الأول وهو الكثير والعائد على كلٍ محذوف أي: مَنْ آمَنَ منهم، يجوز أن يكون: (مَنْ آمَنَ) خبر وَالصَّابِئُونَ، يعني: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا، وقفنا، أين خبر (إنّ)؟ محذوف، وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مبتدأ، مَنْ آمَنَ خبر المبتدئ الذي هو الصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى، أغنى خبر الصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى عن خبر (إنّ)، حينئذٍ حذف من الأول لدلالة الثاني عليه -عكس الأول-، فحينئذٍ: مَنْ آمَنَ فَلا خَوْفٌ –الجملتان- إما نجعل واحدة منها خبر لـ (إنّ): (إِنَّ الَّذِينَ)، فحينئذٍ نقدر خبراً محذوفاً للصَّابِئُونَ، وإما أن نجعل من آمن خبراً للصَّابِئُونَ، ونقدر خبراً لـ (إنّ)، على كلٍ لابد من التخريج عند البصريين.
وَجَائِزٌ رَفْعُكَ مَعْطُوفَاً عَلَى ... مَنْصُوبِ إِنَّ بَعْدَ أَنْ تَسْتَكْمِلاَ
قال الشارح: إذا أتي بعد اسم إن وخبرها بعاطف جاز في الاسم الذي بعده وجهان: أحدهما: النصب عطفاً على اسم (إنّ) نحو: إن زيداً قائمٌ وعمراً.