فإن عطف على المنصوب قبل استكمال إن خبرها تعين النصب عند الجمهور، وجب النصب: إن زيداً وعمرواً قائمان، لا يجوز: إن زيداً وعمروٌ قائمان لا يجوز هذا، لماذا؟ لما يلزم على الرفع من العطف قبل تمام المعطوف عليه؛ لأن الأصل: وعمروٌ، حينئذٍ نقول: وعمروٌ إن عطف على (إنّ) وخبرها، نقول: عطف على شيء قبل تمامه، فكأنه حشر بين جزئي كلمة، إن زيداً عمروٌ قائمٌ نقول: عمروٌ كأنه حشر بين جزئي كلمة، مثل الياء من زيد، فحينئذٍ كونه يعطف على قائم: زيدٌ قائمٌ قبل استيفاء واستكمال الخبر، نقول: هذا ممنوع وسيأتي إن شاء الله في باب العطف؛ لما يلزم على الرفع من العطف قبل تمام المعطوف عليه إن جعل من عطف الجمل، ومن تقدم المعطوف على المعطوف عليه إن عطف المرفوع على الضمير في الخبر. حينئذٍ إذا قيل: إن زيداً وعمروٌ قائمٌ بالرفع، لو قيل: بأنه معطوف على الضمير المستتر في قائم صار تقدم المعطوف على المعطوف عليه، وهذا في المفردات وسيأتي معنا أنه ممنوع أيضاً.
وأجاز الكسائي الرفع مطلقاً، إذاً: مذهب البصريين أنه يجب النصب: إن زيداً وعمرواً قائمان –واجب النصب-، ولا يجوز فيه الرفع، وأجاز الكسائي الرفع مطلقاً، سواء قبل الاستكمال وبعده، بعد الاستكمال لا إشكال فيه، وأما قبل الاستكمال هذا محل إشكال، لماذا أجازه؟ قالوا: استدلالاً بقوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)) [المائدة:69]، هذه الآية يقع فيها إشكالات عند النحاة: (إِنَّ) حرف توكيد ونصب، الَّذِينَ: اسمها منصوب -في محل نصب-، الَّذِينَ آمَنُوا: صلة المنصوب، وَالَّذِينَ هَادُوا: معطوف على المنصوب، وَالصَّابِئُونَ: جاء الإشكال، إذاً: قبل استكمال إن خبرها جاء اسم مرفوع -في أفصح الكلام ليس لك حجة-، فحينئذٍ جوز الكسائي الرفع قبل استكمال الخبر، وكذلك جاء: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتُهُ يُصَلُّونَ)، ((وَمَلائِكَتَهُ)) [الأحزاب:56] على مذهب البصريين، وملائكتُه بالرفع، إذاً: قبل استكمال الخبر، يُصَلُّونَ خبر: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتُهُ يُصَلُّونَ) يُصَلُّونَ خبر، إذاً جاء اسم معطوف على اسم (إنّ) قبل استكمال الخبر وهو مرفوع، والبصريون يوجبون النصب، كذلك قوله: فَإنِّي وَقَيَّارٌ بَهَا لَغَريبُ، فَإنِّي وَقَيَّارٌ: معطوف على الياء، وجاء بالرفع.