ولم يُدَّعَى أن الأصل: إن لزيداً قائم، لماذا قالوا: الأصل دخلت على حرف؟ نقول: هي تؤكد المبتدأ في الأصل أو في الحال، وإذا أردنا أن نُقعِّد هذه نقول: الأصل: إن لزيداً قائم، قالوا: هذا هو الأصل، لكن لم يذكروا هذا الأصل، وإنما قالوا: لئن زيداً قائم. لماذا عدلوا عن هذا؟ قالوا: لئلا يفصل بين (إنَّ) ومعموليها معاً بما له صدر الكلام، لئلا يفصل بين (إنَّ) ومعموليها مما له صدر الكلام، حينئذٍ ادعوا أن الأصل: لَإِنَّ، ولم يقولوا الأصل: إن لزيداً، لماذا؟ لأن (إنَّ) الأصل فيها ضعف عملها، فحينئذٍ لو دخلت لام الابتداء بعد (إنَّ) مباشرة حينئذٍ هي أجنبية عن معمولي (إنَّ)، فالأصل فيها أنها تبطل عملها، لكن لم يدَّعُوا هذا من أجل سلامة التركيب، فأدخلوا اللام على الحرف وهو (إنَّ).

فحينئذٍ صار الأصل: لَإِنَّ زيداً قائم، لكن لما كانت اللام للتأكيد و (إنَّ) للتأكيد كرهوا الجمع بين حرفين بمعنىً واحد، فأخروا اللام إلى الخبر، وهذه اللام تسمى المزحلقة، فزحلقوا اللام إلى الخبر، ولم يزحلقوا (إنَّ) لأنها عامل، والعامل يبقى في محله، وحق العامل التقدم، فلم يزحلق (إنَّ) وإنما زحلقوا اللام؛ لأنها لا تعمل.

وهذه اللام لا تدخل على باقي أخوات (إنَّ)، فلا تقول: لعل زيداً لقائم، هذا ممتنع لعدم السماع، وأجاز الكوفيون دخولها في خبر (لَكِنَّ) لكنه شاذ، هذا إن صح الاستدلال ببيتهم:

يَلُومُونَني في حُبِّ لَيلى عَوَاذِلي ... ولكنَّنِي مِن حُبِّها لَعَمِيدُ

لَعَمِيدُ: هذا خبر، ودخلت اللام في خبر (لَكِنَّ)، لكنه شاذ، هذا إن سُلِّم بأن البيت معروف، وإلا قيل بأنه مركب.

وخُرِّج على أن اللام زائدة، لكنه شاذ، لا نقول: اللام زائدة، لأنا لو قلنا اللام زائدة فحسب حينئذٍ قد يسوغ الزيادة مع جعل اللام زائدة، بل الصواب أنه شاذ ولا يقاس عليه.

كما شذ زيادتها في خبر (أمسى) فَقَالَ مَنْ سَأَلُوا أَمْسَى لَمَجْهُودَا، أَمْسَى لَمَجْهُودَا نقول: هذا شاذ.

كذلك: كما زيدت في خبر المبتدئ شذوذاً:

(أُمُّ الْحَليْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَ بَهْ ... ) الأصل في دخول اللام على المبتدئ نفسه؛ لزيد قائم، والجمهور على منعها من دخولها على خبر المبتدئ، زيد لقائم؛ قالوا: هذا شاذ، وجوزه البعض وأجاز المبرد دخولها في خبر (أَنَّ) المفتوحة، قرئ شاذاً: (إِلاَّ أَنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ) بفتح (أَنَّ)، ويتخرج أيضاً على زيادة اللام.

إذاً: كلما زيدت اللام في غير خبر (إنَّ) فهو شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه، هذا إن سلم بالأصل.

وَبَعْدَ ذَاتِ الْكَسْرِ تَصْحَبُ الْخَبَرْ

أطلق المصنف هنا الخبر، فهل كل خبر لـ (إنَّ) يصلح أن يكون مدخولاً للام؟ الجواب: لا، بل لا بد من استيفاء ثلاثة أشرط -ثلاثة أشرط أو ثلاثة شروط يجوز الوجهان-: كونه مؤخراً، ومثبتاً، وغير ماضٍ، وسينص الناظم على بعضها.

كونه مؤخراً، بمعنى: أنه لا يتقدم.

وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ إِلاَّ فِي الَّذِي ... كَلَيْتَ فِيهَا أَوْ هُنَا غَيْرَ الْبَذِي

يعني: إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً تقدم، حينئذٍ لا يجوز. وإذا تأخر حينئذٍ جاز، بشرط كونه مؤخراً.

ومثبتاً لا منفياً، وغير ماض بشرطه، وسيأتي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015