إذاً: في هذه المواضع التسع نقول: يجوز فيها الوجهان -في (أن) -؛ إما الفتح وإما الكسر.

ثم قال رحمه الله تعالى:

وَبَعْدَ ذَاتِ الْكَسْرِ تَصْحَبُ الْخَبَرْ ... لاَمُ ابْتِدَاءِ نَحْوُ إِنِّي لَوَزَرْ

هذا شروع في أحكام لام الابتداء، لام الابتداء هذه مما لها صدارة الكلام، يعني تقع في أول الكلام، هذا الأصل، ثم هي من المؤكدات عند البيانيين، يعني يؤتى بها لتأكيد الكلام مثل (إن وأن)، قلنا: (إن وأن) للتأكيد لتقوية النسبة، كذلك اللام لام الابتداء تأتي لتقوية النسبة، تأتي للتأكيد، وحينئذٍ لها حق الصدارة ولها كذلك معنى التأكيد بمعنى (إنَّ)، وإذا كان كذلك امتنع أن يدخل حرف على حرف بمعنىً واحد، إذا كان لها حق الصدارة فحينئذٍ الأصل أن يؤتى بها في أول الكلام: لئن زيداً قائم، هذا أصل التركيب، اللام لام الابتداء لأن لها الصدارة وهي تؤكد الجملة، و (إنَّ) لها الصدارة وهي مؤكدة للجملة، لكن لا يجتمع حرفان بمعنىً واحد، فزحلقت هذه اللام إلى الخبر، ولذلك سميت اللام المزحلقة، لماذا زحلقت؟ لئلا يجتمع حرفان بمعنىً واحد في موضع واحد وهو أول الجملة، هذا ممتنع عندهم.

(إنَّ) من خصائصها: أن تلحقها لام الابتداء، ولكن لما لحقتها أولاً حينئذٍ دخلت على ما بعدها، وما بعدها قد يكون خبراً، وقد يكون اسماً، وقد يكون معمول الخبر، وقد يكون فصلاً، فهذه أربعة مواضع تكون محلاً للام.

شرع في الخبر وهو الأصل.

وَبَعْدَ ذَاتِ الْكَسْرِ تَصْحَبُ الْخَبَرْ ... لامُ ابْتِدَاءٍ

وَتَصْحَبُ لامُ ابْتِدَاءٍ الْخَبَرْ -هذا التركيب- بَعْدَ ذَاتِ الْكَسْرِ يعني لا بعد غيرها، فقدم ما حقه التأخير لإفادة القسم الإضافي.

وَبَعْدَ: نقول: هذا متعلق بـ: تَصْحَبُ، قُدِّم لإفادة الحصر، أي: لا بعد ذات الفتح، ذات الفتح هذه لا تقع في أول الكلام كما هو الشأن في (لكن)، لا بد أن تكون مسبوقة بكلام، وحينئذٍ (إنَّ) وقعت مؤكدة، و (أَّن) قلنا: وقعت مؤكدة، والفرق بينهما: أن (إنَّ) تقع في أول الجملة -أول الكلام- بخلاف (أن)؛ لأنها مفرد والمفرد لا يبتدأُ به.

إذاً: لا بعد ذات الفتح ولا غيرها من أخوات المكسورة ونحو هن، فالحصر إضافي، فلا ينافي أنها تصحب المبتدأ. لزيد قائم، يعني: ليست خاصة بباب (إنَّ) فقط، لا.

وَبَعْدَ ذَاتِ الْكَسْرِ تَصْحَبُ الْخَبَرْ: إذاً لا بعد ذات الكسر، نعم (أن) لا تصحبها، فحينئذٍ نقول: والمبتدأ -لزيد قائم-؟ لا علاقة له بباب (إنَّ) نقول: هذه تصحبها، زيد لقائم؛ الجمهور على أنه ممتنع ليس بفصيح، لكن جوزه البعض، دخلت لام الابتداء على الخبر جائز أو لا؟ جائز عند من جوزه، ليست من باب (إن وأخواتها).

إذاً قوله: وَبَعْدَ ذَاتِ الْكَسْرِ: هو فيه نوع حصر لكنه إضافي باعتبار ما يذكر في هذا الباب، لا باعتبار ما لا يذكر في هذا الباب، فالمبتدأ وخبره حينئذٍ له أحكام خاصة، فتدخل اللام هناك مؤكدة على المبتدئ، لزيد قائم، زيد: مبتدأ، وقائم: خبر. علمت لزيد عالم، ظننت لزيد قائم؛ دخلت لام الابتداء كما سيأتي في باب (ظن) وليس من باب (إنَّ).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015