لأنها إنما جاءت لتدل على أن فاعلها تلبس بهذا الفعل وشرع فيه لا غيره، ويستثنى عسى فقط؛ فإن خبرها يرفع السبب، كقوله:
وَمَاذا عَسَى الحَجَّاجُ يَبْلغُ جُهْدُهُ -على رواية الرفع-، يَبْلغُ جُهْدُهُ، هكذا قال الأشموني وصاحب التوضيح.
الرابع: حق الاسم في هذا الباب أن يكون معرفة، أو مقارناً لها كما في باب كان، وقد يرد نكرة محضة، كقوله: عَسَى فَرَجٌ يَأْتِي بِهِ اللهُ، عَسَى فَرَجٌ.
إذاً: الأصل في هذا الباب أن يكون الاسم معرفة، لأنه في الأصل -أصل كان- مبتدأ، تَرْفَعُ كَانَ الْمُبْتَدَا، إذاً الأصل أن يكون معرفة، أو يكون مقارناً لها، بمعنى: أنه نكرة لكنها قريبة من المعرفة.
ثم قال رحمه الله:
وَاسْتَعْمَلُوا مُضَارِعاً لأَوْشَكَا ... وَكَادَ لاَ غَيْرُ وَزَادُوا مُوشِكَا
أراد أن يبين لنا أن الأصل في هذه الأفعال أنها جامدة لا تتصرف، وتلزم صيغة واحدة وهي الماضي، هذا الأصل فيها. ثم بعضهم سمع مضارعاً لهذا وبعضهم؟؟؟ الخ، كلها ليست على السنن المطرد، وإنما هي مسموعات لبعضهم.
أفعال هذا الباب جامدة لا تتصرف ملازمة للفظ الماضي، لماذا؟ قيل: لما قصد بها المبالغة في القرب أخرجت من بابها وهو التصرف، لما أريد بها أنها للمبالغة في القرب: كاد زيد يموت، قرب منه الموت جداً للمبالغة، إذاً: التزمت الفعل الماضي ولا تتصرف.
أخرجت عن بابها وهو التصرف، وكذلك كل فعل يراد به المبالغة، كنعم وبئس وفعل التعجب، وقيل: بالاستغناء بلزوم المضارع خبرها، فلم يبنوا منها مستقبلاً.
لما اشترطوا في خبرها أن يكون فعلاً مضارعاً قالوا: اكتفوا بالماضي عن المضارع في نفسها في ذاتها، لكونهم اشترطوا الخبر أن يكون مضارعاً. كاد زيد يموت، لماذا كاد لا يأتي منه المضارع؟ هو يأتي لكن مثال، لماذا؟ قال: لأنهم اكتفوا بـ يموت، يموت هذا خبر كاد، فلما اشترطوا الفعل المضارع استغنوا به عن صيغتها في نفسها فلم يأتوا به على المضارع.
وَاسْتَعْمَلُوا: أي: العرب، هنا ما نقول النحاة؛ لأن الاستعمال هنا استعمال العرب، وهو إطلاق اللفظ وإرادة المعنى. وبعضهم يجعله مرادفاً للموضوع، ولذلك يُجعل اللفظ قسمين: الأول: مهمل. والثاني: مستعمل. وبعضهم يقول: لا، الصواب مهمل وموضوع، ثم الموضوع نوعان: مستعمل وغير مستعمل. هكذا أورده على حاشية مجيب النداء.
وَاسْتَعْمَلُوا مُضَارِعاً: يعني العرب فعلاً مضارعاً: هذا مفعول به.
لأَوْشَكَا: وَاسْتَعْمَلُوا مُضَارِعاً لأَوْشَكَا ... وَكَادَ لاَ غَيْرُ
إذاً: لم يسمع في لسان العرب مضارع لهذه الأفعال إلا فعلين فقط، وهما: أوشك وهذا فعل ماضي، وكاد وهو فعل ماضي.
لا غَيْرُ: أي: دون غيرهما من أفعال الباب، فإنه ملازم لصيغة الماضي.
وَاسْتَعْمَلُوا مُضَارِعاً لأَوْشَكَا: وهو أكثر استعمالاً من ماضيها. يعني: باب يوشك، يوشك: نقول: هذا فعل مضارع لأَوْشَكَا، إذاً: أوشك فعل ماضي مضارعه يوشك، أيهما أكثر استعمالاً؟ المضارع، المضارع أكثر استعمالاً من ماضيها، حتى زعم الأصمعي أنه لا يستعمل ماضيها، كأنه لم يطلع على الماضي مع كونه لأَوْشَكَا كما سبق بيانه.
وَكَادَ لاَ غَيْرُ