الأول: ما يجب اقترانه وهو حرى واخلولق، ما يجب اقترانه ولا يجوز انفكاكه وهو حَرَى واخلَوْلَقَ.
الثاني: ما يجب تجرده ولا يجوز اتصاله، وهو أفعال الشروع.
ثالثاً: ما يغلب اقترانه، يجوز الوجهان. قلنا: ذاك القسم الثالث تحته أمران: ما يغلب اقترانه وهو عسى وأوشك.
الرابع: عكسه، ما يغلب تجرده وهو كاد وكربا. هذا التقسيم يريحك من الأبيات.
ثم قال:
وَاسْتَعْمَلُوا مُضَارِعَاً لأَوْشَكَا ... وَكَادَ لاَ غَيْرُ وَزَادُوا مُوشِكَا
قبل ذلك مسائل.
إذاً عرفنا الآن أن هذا الباب - أَفْعَالُ الْمُقَارَبَة - على ثلاثة أنواع: منه ما دل على الرجاء، ومنه ما دل على الشروع، ومنه ما دل على المقاربة، وأنها تدخل على المبتدئ والخبر فترفع المبتدأ وتنصب الخبر إلا أن نصب الخبر يكون محلاً، وأن هذا الباب خالف باب كان وإن كان فرعاً عنه وملحقاً به في كونه التزم أن يكون خبره فعلاً مضارعاً، يعني: جملة مضارعية.
ثم هل يشترط في دخول (أن) عليه دون بعضها أو يغلب أو يكثر؟ ما ذكرناه سابقاً.
يبقى مسائل:
الأولى: أنه لا يتقدم الخبر في هذا الباب على الفعل، كَكَانَ كَادَ ليس مطلقاً، هناك يجوز، قائماً كان زيد هنا لا يجوز، أن يفعل عسى زيد لا يصح وإن كان هو فرعاً عنه.
لا يتقدم الخبر في هذا الباب على الفعل، فلا يقال: أن يقوم عسى زيد اتفاقاً، لا خلاف فيه أنه لا يجوز أن يتقدم الخبر على الفعل، ويتوسط بين الفعل والاسم إذا لم يقترن بـ (أن) اتفاقاً، عسى زيد يقوم، عسى يقوم زيد، يجوز أن يتوسط الخبر بين الفعل والاسم، لكن بشرط: ألا يقترن بـ (أن)، وهذا أيضاً اتفاقاً محل وفاق. كالمسألة الأولى.
ولذلك يقال: طفق يصليان الزيدان، أصلها: طفق الزيدان يصليان، جاز تقدم الخبر على الاسم دون الفعل.
قال ابن مالك: والسبب في ذلك –التعليل- لماذا جاز أن يتقدم على الاسم دون الفعل إذا كان خالياً من (أن)، ولا يجوز أن يتقدم على الفعل نفسه مع كون الباب ملحقاً بباب كان؟
قال ابن مالك: والسبب في ذلك أن أخبار هذه الأفعال خالفت أصلها، وهذا بيناه؛ لأن الأصل أن يكون جملة فعلية واسمية وظرفاً وجاراً ومجروراً .. إلى آخره. خالفت أصلها بلزوم كونها أفعالاً، فلو قدمت لازدادت مخالفتها الأصل، وإذا ازدادت حينئذٍ صار العمل وإلحاق كاد بـ (كان) في العمل، فيه نظر؛ لأنه كلما بعدت المشابهة بعُد العمل، وكلما قربت المشابهة قرُب العمل، لأننا ما ألحقنا هذا بذاك إلا من أجل المشابهة، وحينئذٍ كلما وقعت المخالفة للباب السابق وكثرت المخالفة الأصل فيه أنه لا يلحق به، وحينئذٍ لا بد من المحافظة على المشابهة. فلو قدمت لازدادت مخالفتها الأصل.
وأيضاً: فإنها أفعال ضعيفة، كاد ونحوها أفعال ضعيفة، دائماً الذي يكون فرعاً ضعيف، الذي يكون فرعاً في باب النحو في العمل دائماً يكون ضعيف ولو كثر إعماله، ولذلك أدنى مخالفة للتقديم والتأخير حينئذٍ نقول: هذا مفسد للعمل، كما هو الشأن في (ما النافية ولا وإن) ولذلك -وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ إِلاَّ فِي الَّذِي -نقول هنا: اشترط الترتيب لماذا؟ لكون (إن) الأصل فيها عدم العمل، وحينئذٍ لا تعمل إلا بشرط الترتيب.