قال الشارح: أمَّا (مَا) فلغة بني تميم أنها لا تعمل شيئاً فتقول: ما زيد قائم، فزيد مرفوع بالابتداء وقائم خبره، ولا عمل لما في شيء منهما، وذلك لأن (ما) حرف لا يختص بدخوله على الاسم نحو: ما زيد قائم وعلى الفعل ما يقوم زيد، وما لا يختص فحقه ألا يعمل، ولغة أهل الحجاز إعمالها كعمل ليس لشبهها بها في أنها لنفي الحال عند الإطلاق، فيرفعون بها الاسم وينصبون بها الخبر -هذا مذهب البصريين-، وأما الكوفيون فيجعلون الخبر أنه منصوب على نزع الخافض، وهذا بعيد جداً. هذا مشكل ضعيف هذا جداً.
قال الله تعالى: ((مَا هَذَا بَشَرًا)) [يوسف:31] (مَا) نافية، أعملت إعمال ليس، كأنه قال: ليس هذا بشراً، هَذَا _ذَا- اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع اسم (ما)، وها حرف تنبيه، وبَشَرًا بالنصب هكذا، فحينئذٍ نقول: الأرجح إعمال (ما) رداً على من منع، لماذا؟ للنص ((مَا هَذَا بَشَرًا)) [يوسف:31] لو كانت ملغاة لقيل: ممَا هَذَا بَشَرٌ كما هي لغة بني تميم، لكن لما أعملت وهو نص في القرآن، حينئذٍ نقول: الأصل والقياس هنا صحيح، وهو قياس (ما) على (ليس) في كونها تعمل عمل (ليس) بجامع النفي -المشابهة السابقة-.
((مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ)) [المجادلة:2] ما قال: مَا هُنَّ أُمَّهَاتُهُمْ، ((مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ)) فـ: أُمَّهَاتِهِمْ بالكسر على أنه خبر لـ (ما) فدل على أنه يُعمل، فإذا جاء -الظاهر أنه لم يرد في القرآن بالنصب خبر لـ (ما) إلا في هذين الموضعين وما عداه إما أن يكون فعلاً وإما أن يكون دخل عليه حرف الجر الباء- فحينئذٍ صار المحتمل ((وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ)) [البقرة:74]، هل نقول: هذه تميمية أو حجازية؟
حجازية؛ لأنه محتمل وجاء عندنا نص صريح وهو ((مَا هَذَا بَشَرًا)) [يوسف:31] فحينئذٍ نحمل المحتمل على الصريح، فكلما ورد في القرآن (ما) ودخلت الباء في الخبر، حينئذٍ نجعلها حجازية، هذا الأولى، فتقول في الإعراب -تستفيد في الإعراب-: ((مَا هَذَا بَشَرًا)) [يوسف:31] هذا النصب ظاهر ((وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ)) [البقرة:74] (مَا) حرف نفي، لفظ الجلالة اسم (ما)، بِغَافِلٍ الباء حرف جر زائد، وغَافِل خبر (ما) منصوب، ونصبه الفتحة المقدرة على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وحينئذٍ تعربه بهذا الإعراب، ولو جعلتها تميمية لا بأس.
قال الله تعالى: ((مَا هَذَا بَشَرًا)) [يوسف:31]، ((مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ)) [المجادلة:2].
أَبناؤُهَا مُتكَنفون أَباهُمُ ... حنقُو الصُّدور ومَا هُم أولادُها
إذاً الأصل إعمالها وهو صحيح خلافاً لمن منع.
إِعْمَالَ لَيْسَ أُعْمِلَتْ مَا دُونَ إنْ: هذا هو الشرط الأول وقيدنا إن المراد بها الزائدة، احترازاً من المؤكدة، وكذلك إن النافية، فحينئذٍ إذا أعملت إن وهي نافية أريد وقصد معناها بطل عمل (ما)، فحينئذٍ نخص إِنْ هنا بالزائدة وبالنافية التي أريد معناها، خرج معنا أو عنا (إن) المؤكدة لنفي (ما).