يعني هذا الحكم خاص بالبصريين، وأما الكوفيون في النوعين -ما كانت ما شرطاً في إعماله وما لم تكن كذلك- جائز، لماذا؟ لأن ما ليس لها حق الصدارة، فمحل الخلاف هل (ما) له حق الصدارة أم لا؟ فمن قال: لها حق الصدارة منع، ومن لا فلا، وهذا محل الخلاف بين البصريين.
قال في شرح الكافية: وكلاهما جائز عند الكوفيين؛ لأن (ما) عندهم لا يلزم تصديرها.
إذاً نقول: أما المنفي بما غير زال وأخواته ففيه قولان: البصريون على المنع كما ذهب إليه الناظم هنا، والكوفيون على الجواز، ومنشأ الخلاف في أن ما النافية هل لها الصدر -صدر الكلام- أو لا؟ البصريون على الأول والكوفيون على الثاني.
وأما زال وأخواته ففي تقديم الخبر عليها ثلاثة أقوال: الأول: المنع مطلقاً سواء نفيت بما أو بغيرها، والثاني الجواز مطلقاً وعليه الكوفيون؛ لأن (ما) ليس لها عندهم حق الصدارة، والثالث وهو الأصح وعليه البصريون: المنع إن نفيت بـ: ما؛ لأن لها الصدر والجواز إن نفيت بغيرها كلا ولم ولن، حينئذٍ هذه الألفاظ لا يزال ولن يزال، نقول: إذا قيل: لا يزال ولن يزال يجوز تقدم الخبر على الفعل نفسه، وأما إذا قيل: ما يزال، نقول: هنا (ما) لها الصدارة، فلا يجوز التقدم؛ إذاً لا بد من التفصيل.
ولذلك خص الناظم هنا (ما) بالحكم، إذاً إذا نفي زال وأخواته بغير (ما) ليس داخلاً في المسألة معنا، لماذا؟ لأن الحكم معلل هنا، وهو أن سبب المنع هو كون (ما) لها حق الصدارة، إذاً لن ليس لها حق الصدارة (لا) النافية ليس لها حق الصدارة، (إن) النافية ليس لها حق الصدارة .. إذاً لا يمنع ذلك من تقدم الخبر على زال ونحوها، إذاً لا بد من التفصيل.
كَذَاكَ سَبْقُ خَبَرٍ مَا النَّافِيَهْ: يعني إذا وقعت (ما) النافية لفعل فالخبر الذي دخلت عليه، أو دخل عليه ذلك الفعل إن سبق بما النافية حينئذٍ ممنوع كالحكم السابق، لكن في أصل المنع لا في الإجماع.
فَجىء بها مَتْلُوَّةً لاَ تَالِيَهْ، ومفهوم كلامه: أنه إذا كان النفي بغير (ما) يجوز التقديم؛ لأنه خص ما النافية، فما عداها لا يلتحق به الحكم.
فتقول: قائماً لم يزل زيد، قائماً هذا خبر مقدم، لم يزل زيد (لم) حرف نفي، هنا نافية وجاز تقدم الخبر عليها لماذا؟ لكون لم ليس لها حق الصدارة في الكلام.
ومنطلقاً لم يكن عمرو، ومنعهما بعضهم وهو الفراء.
قال في شرح الكافية: عند الجميع جائز.
كَذَاكَ سَبْقُ خَبَرٍ مَا النَّافِيَهْ
وَمَنْعُ سَبْقِ خَبَرٍ لَيْسَ اصْطُفِي ... فَجِيءْ بِهَا مَتْلُوَّةً لاَ تَالِيَهْ
......................................
إذاً البيت السابق عرفنا المراد منه: أن الخبر لا يتقدم على الفعل المنفي بـ (ما) سواء كانت ما شرطاً في إعماله أو لا.