كَذَاكَ سَبْقُ خَبَرٍ مَا النَّافِيَهْ, فدل على أن الكلام في تقدم الخبر على (ما) و (دام) نفسها وليس على الفصل، لكن هذا من باب الاستحسان فقط، وإلا ظاهر كلامه أنه يشمل الصورتين: وَكُلٌّ سَبْقَهُ دَامَ حَظَرْ حظر سبق دام مطلقاً سواء تقدم على دام وحدها دون ما أو على ما، لكن ذهب الأشموني إلى أن كلامه ظاهره -بالبيت الذي يليه- أن مراد الناظم أن يتقدم على ما ودام معاً؛ لأنه سيأتي سيقول:

كَذَاكَ سَبْقُ خَبَرٍ مَا النَّافِيَهْ، إذاً كذاك أي: مثل الذي سبق، فدل على أن مراده بما سبق: التقدم على ما وليس على الفصل بين ما ودام، هذا محتمل.

إذاً أراد بهذا البيت أن يبين لنا حكم توسط الخبر بين الفعل واسم كان وأخواتها، وبين أن يتقدم الخبر على كان نفسها، فالأول مجمع عليه مطلقاً بدون استثناء، والثاني محل خلاف، وإن وقع خلاف في ليس ودام في الأول بالتوسط، لكن الصواب أنه يجوز مطلقاً.

ثم قال رحمه الله:

كَذَاكَ سَبْقُ خَبَرٍ مَا النَّافِيَهْ ... فَجِىءْ بِهَا مَتْلُوَّةً لاَ تَالِيَهْ

كَذَاكَ: أي: كما منعوا -أي النحاة أو العرب- وَكُلٌّ سَبْقَهُ دَامَ حَظَرْ، كَذَاكَ, أي: كما منعوا أن يسبق الخبر (مَا) المصدرية كَذَاكَ, منعوا أن يسبق (مَا) النافية.

(مَا) النافية عند البصريين لها الصدارة، حينئذٍ إذا كان لها الصدارة لا يتقدم عليها معمول ... مدخولها، ما كان زيد قائماً، لا يصح أن يقال: قائماً ما كان زيداً؛ لأن ما هذه لها الصدارة.

وقوله: كَذَاكَ يوهم أن هذا الحكم وهو المنع مجمع عليه كالسابق؛ لأنه شبهه به قال: كَذَاكَ فذاك مجمع عليه وهذا مختلف فيه، حينئذٍ يوهم قوله: كَذَاكَ أن هذا الحكم وهو المنع مجمع عليه؛ لأنه شبهه بالمجمع عليه، وإنما أراد التشبيه في أصل المنع دون وصفه، ممنوع فقط مع خلاف، لكنه هو الصحيح، والأول ممنوع لكنه مجمع عليه، إذاً الصفة أو القدر المشترك هو المنع، أراد التشبيه في أصل المنع دون وصفه، فأما المنفي بـ (ما) غير زال وأخواته، وهو كان وأخواتها؛ لأن ما دخل عليه ما النافية قسمان، منه ما كانت (ما) شرطاً في إعماله وهو زال وأخواته، ومنه ما كان زائداً على أصل اللفظ وهو ما عدا الأربعة: ما كان زيد قائم، ما أصبح عمرو قائماً، ما أمسى زيد قائماً، ما هنا ليست شرطاً في إعمال هذه الأفعال، لكن ما زال، وما دام، وما انفك .. حينئذٍ هل الحكم مستوٍ؟ ظاهر كلام الناظم مستوٍ؛ لأنه قال:

كَذَاكَ سَبْقُ خَبَرٍ مَا النَّافِيَهْ خَبَرٍ بالتنوين الأصل (خَبَرِ مَا النَّافِيَهْ)، حينئذٍ يشمل ما كانت (ما) النافية شرطاً في عمله وما كانت ما النافية قدراً زائداً على مجرد العمل مثل: كان، وأصبح .. وغيرها.

فَجىء بها مَتْلُوَّةً: (بها) الضمير يعود على ما النافية، مَتْلُوَّةً: يعني: متبوعة لا تابعة؛ لأن لها الصدر ولا فرق في ذلك بين أن يكون ما دخلت عليه يشترط في عمله تقدم النفي كزال أو لا ككان، فهو حكم عام.

فلا تقل قائماً ما كان زيد، هذا لا يصح قائماً ما كان زيد، قائماً ما زال عمرو، هذا كله لا يجوز، ولو كان شرطاً في إعماله، ولا قاعداً ما زال عمرو.

قال في شرح الكافية: وكلاهما جائز عند الكوفيين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015