وترد كان، وأصبح، وأضحى، وأمسى، وظل بمعنى صار، قلنا صار تأتي بمعنى التحول من صفة إلى صفة، قد تخرج هذه الخمسة عن معانيها الأصلية كان تدل على كينونة وهو حدث كما ذكرناه، وهذا الحدث واقع في زمن مضى وانقطع، فهي زمانية وتسمى رابطة عند المناطقة، وظل، وأصبح، وأمسى، وأضحى .. نقول: هذه الأصل أنها موضوعة لاتصاف المخبر عنه بما دل عليه اللفظ، فأصبح اتصافه بالقيد متى؟ في الصباح، وكذلك المساء، لكن قد تخرج عن هذا المعنى إلى معنى آخر وهو معنى صار، التحول من صفة إلى صفة أخرى.
فلا يقع حينئذٍ الماضي خبراً لها، إذا كانت بمعنى صار يمتنع أن يكون خبرها فعلاً ماضياً ((فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا)) [الواقعة:6] يعني وصارت، ((وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً)) [الواقعة:7]، ((فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)) [آل عمران:103] صرتم، ((ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا)) [النحل:58] صار، وحينئذٍ إذا خرجت عن أصلها واستعملت بمعنى صار نقول: لا تخرج عن العمل بل هي باقية على الأصل.
وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ ... إِنْ كَانَ غَيْرُ المَاضِ مِنْهُ اسْتُعْمِلاَ
وَغَيْرُ مَاضٍ، مبتدأ غَيْرُ مضاف، ومَاضٍ مضاف إليه.
مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ، قد عمل مثله، (قد) حرف تحقيق، و (عمل) هذا فعل ماضي، الألف للإطلاق، والجملة خبر غير، مثله أصل التركيب غير ماض قد عمل مثله، يعني مثل ماذا؟ مثل الماضي، غير الماضي عمل عمل الماضي، حينئذٍ يكون حالاً، حالة كونه مثله، ولو قيل بأنه صفة لمفعول مطلق محذوف كان أولى، يعني وغير ماض قد عمل عملاً مثله، وعملاً هذا مفعول مطلق، ومثله جاء صفة له، هذا أولى من إعرابه حال، من فاعل عمل مستتر، وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ أي مثل الماضي قد عمل العمل المذكور، والألف هذه للإطلاق؛ لأنه أورد ماذا؟ لماذا نص على مثل هذا التركيب؟
لأنه في سياق تعداد الأفعال ذكرها بصيغة الماضي.
كَكَانَ ظَلَّ بَاتَ أَضْحَى أَصْبحَا ... أَمْسَى وَصَارَ لَيْسَ زَالَ بَرِحَا
فَتِىءَ وَانْفَكَّ وَهذِى الأرْبَعَهْ
ثم قال: وَمِثْلُ كَانَ دَامَ
قد يظن الظان أنها لا تعمل هذا العمل إلا إذا كانت بصيغة الماضي، وليس الأمر كذلك، فنفى هذا التصور المحدث بقوله: وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ
فما اشتق من كان، وما اشتق من ظل، وما اشتق من انفك، وزال إلى آخره يعمل عمل زال، وما اشتق من ظل يعمل عمل ظل .. فالحكم واحد.
حينئذٍ الحكم ليس لصيغة الفعل وإنما لمادة الفعل، ولذلك قلنا: وَهذِى الأرْبَعَهْ أي موادها، لماذا قلنا موادها؟ لأن الحكم إما أن يتعلق بالمادة وإما بالصيغة، إذا قلنا بالصيغة معناها بصيغة الماضي، فلا يتعدى الحكم إلى المضارع والأمر واسم الفاعل، وإذا قلنا المادة مادة كان، حينئذٍ كان، يكون، كائن، كن .. هذه كلها تعمل، هنا العبرة بالمادة أو بالصيغة؟ بالمادة، إذاً ليس المراد من تعداد الأفعال السابقة صيغها، بل المراد موادها.
فكل ما دل على كان بالمادة سواء كان ماضياً أو مضارعاً أو مصدراً أو أمراً حينئذٍ يعمل هذا العمل، ترفع كان أي: مادة كان المبتدأ، والخبر تنصبه .. ككان ظل أي مادة ظل، بات أي مادة بات، ليس عين الصيغة، وهذا تأويل جيد.