وهذا مراد المصنف بقوله: كَذَا إذا عَادَ عَلَيْهِ مُضْمَرُ ... البيت، أي: كذلك يجب تقديم الخبر إذا عاد عليه مضمر مما يخبر بالخبر عنه وهو المبتدأ، فكأنه قال: يجب تقديم الخبر إذا عاد عليه ضمير من المبتدأ، عاد عليه هكذا قال وافق ابن عصفور، وهذه عبارة ابن عصفور في بعض كتبه وليست بصحيحة؛ لأن الضمير في قولك: في الدار صاحبها إنما هو عائد على جزء من الخبر لا على الخبر، فينبغي أن تقدر مضافاً محذوفاً في قول المصنف: عَادَ عَلَيْهِ التقدير إذا عاد على ملابسه، ثم حذف المضاف الذي هو ملابس وأقيم المضاف إليه وهو الهاء مقامه، فصار اللفظ: كَذَا إذا عَادَ عَلَيْهِ.
ومثل قولك: في الدار صاحبها قولهم: على التَّمْرَةِ مِثْلها زُبداً.
أَهَابُكِ إِجْلاَلاً وَمَا بِكِ قُدْرَةٌ ... عَلَيَّ وَلكِنْ مِلْءُ عَيْنٍ حَبِيبُهَا
حَبِيُبهَا هذا خبر مبتدأ مؤخر، ومِلْءُ عَيْنٍ هذا خبر مقدم، حَبِيُبهَا اتصل به ضمير يعود على العين، مِلْءُ عَيْنٍ حَبِيُبهَا، وحَبِيُبهَا: مبتدأ مؤخر، ومِلْءُ عَيْنٍ: خبر مقدم، ولا يجوز تأخيره؛ لأن الضمير المتصل بالمبتدأ وهو (ها) عائد على عين، وهو متصل بالخبر، فلو قلت: حبيبها ملء عين، عاد الضمير حينئذ على متأخر لفظاً ورتبة.
إذاً: عرفنا أنه يجب تقديم الخبر إذا اتصل بالمبتدأ ضمير يعود على شيء في الخبر.
كَذَا إِذَا عَادَ عَلَيْهِ مُضْمَرُ ... مِمَّا بِهِ عَنْهُ مُبِينَاً يُخْبَرُ
أي: يجب تقديم الخبر إذا عاد عليه ضمير من المبتدأ، وفي المكودي والتقدير: كذا يلزم تقديم الخبر إذا عاد على ملابسه ضمير من المبتدأ الذي يخبر الخبر عنه.
كَذَا إذَا يَسْتَوْجِبُ التَّصْدِيرا
كَذَا: أي مثل ذا السابق، فهنا يأتي بالكذلكة من باب بيان الحكم لأن الثاني ملحق بالأول، شبيه به في وجوب تقديم الخبر.
إذَا: كان الخبر.
يَسْتَوْجِبُ: يعني يستحق.
التَّصْدِيرا: أي في جملته، إذا كان الخبر له حق الصدارة، إذا كان المبتدأ له حق الصدارة وجب ماذا؟ تأخير الخبر، إذا كان الخبر نفسه له حق الصدارة وجب تقديم الخبر، وهذا مجمع عليه في الجملة، مثل ماذا؟ مثل الاستفهام أو المضاف إليه، كقوله:
كَأيْنَ مَنْ عَلِمْتُهُ نَصِيراَ
مثَّل هنا.
كَأيْنَ مَنْ عَلِمْتُهُ نَصِيراَ: علمتُه بالضم.
كَأيْنَ: أي كقولك، الكاف داخلة على محذوف.
أيْنَ: نقول: خبر مقدم.
مَنْ عَلِمْتَهُ: من اسم موصول على الذي.
عَلِمْتُهُ نَصِيراَ: عَلِمْتُ فعل وفاعل، والضمير الهاء مفعول أول، ونَصِيراَ: مفعول ثان، ويحتمل أن علمته بمعنى عرفته، وحينئذ يكون الهاء مفعول به، ونَصِيراَ هذا حال من الهاء من الضمير يحتمل هذا.
إذاً: إذا كان الخبر له حق الصدارة وجب أن يتقدم، وذلك إذا كان اسم استفهام ونحو ذلك، أين زيد؟ زيد هذا نقول: مبتدأ مؤخر، وأين: هذا خبر مقدم؛ لأنه له حق الصدارة في الكلام. ومثله ما قاله الناظم: أيْنَ مَنْ عَلِمْتُهُ نَصِيراَ.
وَخَبَرَ الْمَحْصُورِ قَدِّمْ أَبَدَا ... كَمَالَنَا إِلاَّ اتِّبَاعُ أَحْمَدَا