وهل يشترط إفادة المخاطب شيئاً يجهله، يعني: هل يشترط بقوله: المفيد، أن يكون مفيداً فائدةً متجددة، جديدة؟ لو قلت: السماء فوقنا والأرض تحتنا، وأنا أمامكم، وأنتم أمامي، هذا فيه جديد؟! هل يسمى كلاماً؟ هذا محل نزاع بين النحاة، بعضهم يشترط ذلك: أنه لا بد من تجدد الفائدة، يعني: أخبرك بشيء لا تعلمه، فإن أخبرتك بشيء تعلمه حينئذٍ لا يسمى كلاماً، فخرج أكثر كلامنا، لو اشترطنا تجدد الفائدة، هل يشترط إفادة المخاطب شيئاً يجهله؟ قولان:
الأول: نعم، وجزم به ابن مالك، فلا يسمى نحو: السماء فوق الأرض، والنار حارة، وتكلم الرجل كلاماً، هل فيه فائدة جديدة؟ ما فيه فائدة لا بد أن تفصل ما هو هذا الكلام، حينئذٍ لعدم وجود فائدة من هذا الكلام جديدة على ذهن السامع، قال: لا يسمى كلاماً.
والثاني: لا، يعني: لا يشترط وصححه أبو حيان، رد على ابن مالك، قال: وإلا كان الشيء الواحد كلاماً وغير كلام إذا خوطب به من يجهله فاستفاد مضمونه ثم خوطب به ثانياً، يعني: قلت لك: الفاعل مرفوع، كلام جديد .. يعتبر كلام، قلت بعدها: الفاعل مرفوع، إذاً: صار الأول كلاماً والثاني ليس بكلام، بل في محل واحد يتكلم المتكلم، هذا يعرف أن الفاعل مرفوع، أقول: الفاعل مرفوع، هذا يعلم وهذا لا يعلم، نفس الكلام: الفاعل مرفوع، يعتبر كلاماً؟ ليس بكلام، كلاماً باعتبار زيد لأنه يجهله، وليس بكلام باعتبار عمرو؛ لأنه يعلمه.
إذاً: صار اللفظ الواحد .. التركيب الواحد كلاماً وليس بكلام، ونظرُ النحاة كما قلنا للفظ والمعنى فحسب، وأما المقاصد فهذه ليست محل بحث للنحاة، قال الصبان هنا: فالمراد بإفادة اللفظ فائدةً يحسن السكوت عليها دلالته على النسبة الإيجابية أو السلبية، النسبة التي هي الارتباط والتعلق بين الموضوع والمحمول، أو المسند والمسند إليه هي المرادة بالإفادة، سواء كانت حاصلةً عند السامع أو لا .. قصد بها المتكلم الكلام أو لا .. طابق كلامه الواقع أو لا، لا ينظر إلى شيء خارج عن النسبة الإيجابية أو السلبية البتة، وإنما ينظر إلى عين التركيب فحسب، فعل وفاعل .. مبتدأ وخبر، ما عدى ذلك لا يلتفت إليه عند النحاة.
وإلا لو كان الأمر كذلك لقلنا، أيضاً نقيده: إن لم يطابق الواقع لا يسمى كلاماً، فإن طابق الواقع يسمى كلاماً، أليس كذلك؟ نقول: هذا ليس بوارد، لماذا؟ لأن مطابقة الواقع وعدم مطابقة الواقع شيء خارج عن مجرد اللفظ والمعنى، وكذلك القصد مثله، أمر خارج عن مجرد اللفظ والمعنى .. عن مجرد التركيب، فإذا ورد التركيب من المسند والمسند إليه تم الكلام ولا ننظر إلى شيء آخر عن القصد.
وهل يشترط في الكلام .. - الكلام فيما سبق في القصد والفائدة الجديدة- وهل يشترط في الكلام القصد، وهو إرادة المتكلم إفادة السامع؟ لا بد أن يريد أن يفيد المتكلم السامع، فإن انتفى ذلك القصد حينئذٍ لا يسمى كلاماً، هذا فيه قولان أيضاً للنحاة: