فحينئذٍ هل ترك المصنف هذين القيدين أم أنه ضمن ما ذكره من حد الكلام اشتراط هذين الشرطين؟ هذا محل نزاع كما ذكرناه اليوم، فقوله: كاستقم، هل هو متمم للحد أم أنه مجرد مثال؟ هذا محل نزاع، والأصح أنه متمم للحد، ثم هل أراد به اشتراط التركيب أو القصد؟ قولان للشراح:
منهم من جعل قوله: كاستقم، المراد به اشتراط التركيب، قال:
كلامنا لفظ مفيد، يعني: فائدةً تركيبية كفائدة استقم، أو: كلامنا لفظ مفيد، وكونه مقصوداً .. موضوعاً .. مقصوداً كما قصد قوله: استقم، حينئذٍ تكون الكاف للتمثيل، والثاني هذا مشى عليه السيوطي رحمه الله في شرحه على الألفية.
وهنا ذكر محيي الدين في قوله: وكأنه قال كلام النحاة هو اللفظ الموصوف بوصفين أحدهما الإفادة والثاني التركيب المماثل لتركيب استقم، حينئذٍ جعله قيداً ثالثاً، والذي أراد به بهذا القيد هو اشتراط التركيب، وهذا إلى هنا لا إشكال فيه، وأما جعله أن المراد به القصد فنقول: الأصح أنه لا يشترط في الكلام أن يكون مقصوداً، لماذا؟ لأن القصد ما هو؟ إرادة المتكلم إفادة السامع، فإذا اشترطنا في الكلام أن يكون مقصوداً حينئذٍ خرج كلام النائم والساهي والمجنون ومن جرى على لسانه ما لا يقصده، هذه كلها خرجت، لماذا؟ لأنهم وإن نطقوا ولا نقول: تكلموا على هذا .. لأنهم وإن نطقوا بمسند ومسند إليه بلفظ مفيد، لو قال: استقم .. لو قال: أنتِ طالق، كالمجنون ونحوه فحينئذٍ هذا الكلام يعتبر مركباً .. لفظاً مفيداً مركباً، وهو مفيد فائدةً تامة، لكن لفقد القصد حينئذٍ هل يشترط في الكلام أن يكون مقصوداً؟ نقول: الصواب أنه لا يشترط.
لأنه يلزم من ذلك أن يكون الكلام الواحد موصوفاً بكونه كلاماً وغير كلام، لا هذا ليس في هذا الموضع، وإنما هذا في تجديد الفائدة، نقول: لا يشترط القصد، لماذا؟ لأن اللفظ هنا هو الذي ينصب عليه حكم النحاة .. بحث النحاة وأهل اللغة إنما يكون في اللفظ، وأما كونه مقصوداً أو غير مقصود هذا خارج عن اللفظ ودلالته، وليس بحث النحاة في المقاصد، بل هذا مبحث الفقهاء وغيرهم، وإنما يبحثون في مجرد ما ينطلق ويلفظ به اللسان، فما كان موافقاً للفظ العربي الصحيح، فحينئذٍ يعتبر كلاماً، وما لم يكن حينئذٍ لا يعتبر كلاماً.
فيخرج باشتراط القصد كلام النائم ومن عطف عليه، ويدخل معنا كلام البربر والترك ونحو ذلك من اللغات الأجنبية، فعلى اشترط القصد نقول: هذا يسمى في لغة العرب كلاماً أو لا؟ يسمى كلاماً، والصواب إخراجه؛ لأنه يشرط في الكلام أن يكون موضوعاً بالوضع العربي، فثم أربعة شروط لا بد من توفرها في صحة صدق الكلام على اللفظ: